عندما يصبح الدفء “رفاهية” في مواجهة ارتفاع الأسعار

الثورة – رولا عيسى:

تبدو تحضيرات فصل الشتاء مرهقة وشديدة الوطأة على كاهل الأسر السورية، فالمستلزمات من لباس مروراً بالمونة وصولاً إلى المدافئ، باتت اليوم من ضروب الرفاهية التي لا يستطيع الجميع الحصول عليها.

وفي جولة على الأسواق سجلت أسعار المدافئ أرقاماً قياسية، فيما يشير الواقع إلى صعوبة كبيرة في تأمين مادة المازوت، وهنا تظهر المخاوف من أن يصبح تأمين التدفئة حاجة صعبة المنال للكثيرين.

أرقام قياسية وارتفاع بنسبة 30 بالمئة

وفي التفاصيل فقد شهدت أسواق المدافئ في سوريا موجة من الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، ووصلت إلى ارتفاعات بأكثر من 30 بالمئة مقارنة بالعام الماضي. الأرقام الفلكية في أسعار المدافئ ليست وليدة اليوم، فارتفاعاتها سجلت أرقاماً خيالية في فترة الحرب زمن النظام المخلوع، وأصبح شراء مدفأة جديدة، سواء كانت من النوع العادي أو المتطور، خارج نطاق قدرة الكثيرين. وفي الأسواق تتفاوت أسعار المدافئ بشكل كبير، إذ تبدأ أسعار المدافئ المصنوعة من الصاج الخفيف من 600,000 ليرة وتصل إلى 800,000 ليرة، بينما تقفز أسعار المدافئ ذات الجودة العالية، مثل المدافئ المصنوعة من الحديد الزهر، لتبدأ من 2,000,000 ليرة وقد تصل إلى 8,000,000 ليرة سورية، أما مدافئ المازوت، فتتراوح أسعارها بين 400,000 ليرة و 5,000,000 ليرة، حسب الحجم والجودة. وتتفق آراء غالبية من التقيناهم على وجود مشكلة حقيقية في تباين الأسعار.

تباين في السعر والنوعية

ياسر الشايب موظف يقول أصبحت التدفئة ومستلزماتها عبئاً ثقيلاً يجعل الأسرة في مواجهة ديون جديدة، ومنذ سنوات يشكل فصل الشتاء هماً جديداً في الحياة المعيشية الصعبة، وغلاء الأسعار. ويضيف أن المستغرب حالة عدم الانضباط في أسعار المدافئ وانتشار نوعية رديئة دون رقيب أو حسيب عليها، هذا بالنسبة للمدافئ الجديدة، أما المستعملة فهي الخيار الأنسب لكنها لا تفي بأن يكون استخدامها لعدة سنوات. أما سمر ترى أنه: يبقى الخيار الأقل تكلفة هو مدافئ الكهرباء التي تبدأ أسعارها من 250,000 ليرة، لكن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي يجعلها خياراً غير عملي في معظم الأحيان، في إشارة منها إلى أن تأمين الوقود واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها السوريون في ظل الشتاء البارد، فالمازوت، الذي كان يعد الخيار التقليدي والمفضل، أصبح غير متاح للكثيرين بسبب ارتفاع الأسعار، وعليه العائلة السورية أصبحت تجد نفسها عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية. أما الحطب، الذي يعتبر بديلاً متاحاً، يقول محمد البدر إنه شهد هو الآخر زيادة كبيرة في أسعاره، لدرجة أن تكلفته أعلى من المازوت. وهنا لابد من الإشارة إلى أن ازدياد استهلاك الحطب يزيد من تدهور الوضع البيئي، مما يضيف عبئاً إضافياً على السكان.

أما عن البدائل الحديثة يقول الحرفي أحمد الابراهيم إنه لمواجهة أزمة الوقود، ظهرت أنواع جديدة أبرزها مدافئ البيليت التي تعمل بالوقود الحيوي المصنوع من مخلفات الزيتون أو قشور الفستق، وتعتبر هذه المدافئ أكثر اقتصادية في التشغيل مقارنةً بالمازوت أو الحطب، إذ إن تكلفة التدفئة باستخدام البيليت تشكل حوالي 33 بالمئة فقط من تكلفة التدفئة بالمازوت، لكن العقبة الرئيسية تكمن في التكلفة الأولية المرتفعة لهذه المدافئ، والتي تبدأ من 1.5 مليون ليرة سورية. ويتطرق إلى انتشار جهاز الكومبي (Combi) بين العائدين من تركيا كبديل فعال وآمن، وهذا الجهاز لا يعمل فقط على التدفئة، بل يوفر أيضاً المياه الساخنة، مما يجعله خياراً عملياً بالنسبة للأسر، لكنه يظل خياراً مكلفاً نسبياً، ويعتمد على القدرة الاقتصادية للأسر.

تدخل حكومي

في مواجهة هذه الأزمة المتفاقمة، تبرز الحاجة الماسة لتدخل حكومي عاجل لضبط أسعار المدافئ وتوفير الوقود بشكل معقول للمواطنين. ويقترح أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة إحدى الآليات التي يمكن أن تساعد في ضبط الأسعار، وتتمثل في التسعير الحكومي العادل، إذ يرى أن على الحكومة أن تضع أسعاراً محددة للمدافئ والوقود تراعي القدرة الاقتصادية للمواطنين، مع فرض رقابة صارمة على الأسواق لمنع أي تجاوزات. ويضيف: أيضاً يجب زيادة المخصصات الحكومية للوقود، وأن تعمل الحكومة على زيادة مخصصات المازوت لكل عائلة، مع ضمان جودة الوقود المقدم. ويشير إلى أهمية تشجيع البدائل المستدامة، عبر تقديم دعم حكومي للمدافئ التي تعمل بالوقود الحيوي أو الطاقة المتجددة، ويمكن أن يتم الحد من الضغط على الوقود التقليدي. ويتطرق إلى أهمية تعزيز مشاريع الطاقة البديلة لتأمين الكهرباء اللازمة، مثل الطاقة الشمسية أو الغاز الطبيعي، التي قد تكون بديلاً طويل الأمد يقلل من الاعتماد على الوقود التقليدي.

أخيراً.. لاشك أن واقع التدفئة في سوريا أصبح مشكلة يومية تستنزف الموارد المالية للأسر وتزيد من معاناتها، بل أصبح الدفء رفاهية بعيداً عن متناول شريحة واسعة من السكان.

ومع ذلك، يظل الأمل قائماً في أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر فعالية لضبط الأسعار ورفع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود، وتوفير بدائل تفي بالحاجة.

آخر الأخبار
"واكب".. نواة لحكومة رقمية مرنة وشفافة على أنقاض مساجد حلب.. تُسطّر المدينة قصّة صمودها قرار تنظيم الأمبيرات في حلب بين الترحيب الشعبي وضعف الالتزام الليرة تتراجع أمام الدولار والأسعار تواصل الارتفاع في المواجهة اليومية للشاشات.. هل من سبل للوقاية؟  الأسرة المتماسكة.. بيئة خصبة لإنتاج الطاقات المبدعة قضم الأظفار عند الأطفال.. هل مؤشر لمعاناة أخرى؟ ظاهرة اعتماد الطفل على أمه في دراسته .. هل يمكن حلها؟ "نغم عيسى".. عندما يهز الترند عرش الإعلام الأردن: استقرار سوريا ركيزة أساسية للأمن الإقليمي الوفد الحكومي المشارك في (FII): زيارتنا ناجحة ومثمرة عندما يصبح الدفء "رفاهية" في مواجهة ارتفاع الأسعار النشء والشباب بين العنف الأسري والضياع الاجتماعي كيف يواجه الشباب السوري فجوة الخبرات بعد سنوات من العزلة؟ ثانوية النقل البحري بطرطوس.. تأهيل مهني لمستقبل واعد    فوضى الدراجات النارية بدرعا تتزايد.. والأهالي يناشدون الجهات المعنية حوادث السير بحلب.. تهديد يوميّ لحياة المواطنين يدنا الأنثوية في البطولة العربية للأندية بعد غياب بطولة درع السلوية.. الوحدة والكرامة في المربع الذهبي بين ضيق الوقت وبناء الثقة.. الحسين يقود حلم الأولمبي السوري في آسيا