الثورة – رنا بدري سلوم:
لم يقف التشرد عائقاً أمام صرخة رسالته الإنسانية، لنجدة ما تبقى من كرامته كإنسان مثقّف شاعر وقاص، ذنبه أنه ضحية حرب شعواء، ذاق ويلاتها مفترشاً الأرض ملتحفاً السماء، لا يؤنسه في شوارع اللاذقية إلا كأس شاي مغلي على الحطب وكتاب شعرٍ يتأبطه أينما حل.
من توثيق المأساة إلى صناعة التغيير
ولأن عدسات مواقع التواصل الاجتماعي لا ينقصها الفضول! تتبعت العم محمد ابن دير الزور في شوارع اللاذقية، مطلقاً ملء حنجرته نداءات حقوقه الإنسانية، من مسكن ومأوى وأمان، فما إن مرت دقائق على نشر الفيديو على تطبيق الانستغرام حتى اشتعلت المواقع بلقاء العم محمد، ليتعاطف معه الرأي العام ويستعرض الأثر الاجتماعي والسياسي لدعم المثقفين والتعاطي مع قضايا التشرّد والعوز وأزمة الفقر المدقع والتشرد بين المثقفين في سوريا، إذ يعاني آلاف من الكتاب والشعراء من تداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة، مما يهدد بفقدان التراث الثقافي.
مواجهة التشرد
تشهد الثقافة اليوم انفتاحاً وعدلاً ومساواة، ” رأي معظم من يتابعون المشهد الثقافي عن كثب” ليس بالخطابات وحسب بل بالمواقف الإنسانية أيضاً، فبعد أن تابع وزير الثقافة محمد ياسين الصالح الفيديو المتداول، وجه فريقه في اللاذقية بتوظيف العم محمد في الوزارة إذا وافق على ذلك، وطلب تحضير طباعة مجموعته القصصية التي لم تبصر النور بعد، وتزويده بهاتف لتسهيل التواصل معه. وقال الصالح: “لولا أنني خارج البلاد لأتيت إليه بنفسي، فهو يستحق”.
صندوق تبرعات
وفي سياق متصل بقضايا التشرد والعوز والحاجة لمثقفين منسيين بعيدين عن بهرجة الإعلام وذبابها الإلكتروني، ما إن أطلق اتحاد الكتاب العرب منذ أيام مبادرة “صندوق التبرعات” لترميم بيوت الكتاب المهدمة، بعد عودتهم من المخيمات، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي فرحاً لتلك المبادرة التي تعيد كرامة المثقف السوري بتأمين مسكن له، بعد ما عاناه في المخيمات أيام اشتعال الثورة، معظم الكتاب الذين كانوا يعيشون تلك الحالة الصعبة، ينتظرون على أحر من الجمر أن تطبّق المبادرة على أرض الواقع.
الشاعر يحيى محي الدين عضو جمعية الشعر في الاتحاد بين في تصريحه للثورة أن البلاد مرت بمرحلة صعبة عانى منها المواطن كما عانى منها المثقف بشكل خاص على يد النظام المخلوع، و سوريا الآن تلملم جراحها وتحاول النهوض بعد انتصار الثورة التي نعلق عليها آمالنا، وقد أطلق الدكتور أحمد جاسم الحسين رئيس اتحاد الكتاب العرب مبادرة مهمة للوقوف إلى جانب المثقفين السوريين وخاصة أعضاء الاتحاد الذين عانوا من الظلم والتهجير نتيجة الجور الذي وقع عليهم في العهد المخلوع، ولفت محي الدين أن مبادرة رئيس الاتحاد هي انعطافة نحو إعطاء المثقف حقه في حياة حرة كريمة، و ذلك لأن الثقافة تشكل حاملاً لقضايا المجتمع والإنسان وتعمل على النهوض به دائماً، موجهاً محي الدين الشكر لكل من يمدُّ يد العون لزملائه في الاتحاد ولكل من يعمل من أجل ازدهار وطننا الحبيب سوريا.
تعافٍ وطني
أخبار أشعلتها وسائل التواصل الاجتماعية، وهي اليوم ترمم ما يمكن ترميمه في القضايا الإنسانية الشائكة، من نشر القصص الإنسانية والأكثر مأساوية منها، لا تنشرها وحسب بل تلعب دوراً في القرارات الحكومية كقصة العم محمد، بتغيير الواقع من خلال تكاتف جهود السياسات الحكومية، وإمكانيات إعادة بناء الشبكة الثقافية السورية ودور المثقفين في عملية التعافي الوطني.