الثورة- علي إسماعيل:
في عالم يشهد تحولات سياسية واقتصادية كبرى، جاءت مشاركة السيد الرئيس أحمد الشرع في حدث اقتصادي كبير يتمثل بمبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض، لتفتح باباً واسعاً للنقاش حول دور سوريا القادم في خريطة التنمية الإقليمية.
حديث الرئيس الشرع لم يكن عابراً من مبدأ المشاركة، بل رسالة ثقة بأن السوريين قادرون على إعادة بناء وطنهم بإرادتهم، بعيداً عن الاتكال على المساعدات الخارجية، وقد حملت كلماته نبرة روح التصميم على تحويل المعاناة إلى فرصة، والدمار إلى بداية جديدة، في لحظة تُعيد فيها دمشق وصل ما انقطع مع محيطها العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، التي تقود تحوّلاً اقتصادياً نوعياً في المنطقة.
حديث الرئيس الشرع في الرياض لم يكن مجرد إعلان عن أرقام أو مشروعات، بل إعلان عن ولادة رؤية وطنية جديدة، تضع الاستثمار شريكاً للتنمية، لا كبديل عن الإرادة، وأن سوريا تتجه بثقة نحو المستقبل، مدعومة بشعب صلب، ولتوجّه رسالة انفتاح إلى العالم بأن إعمار البلاد سيكون بجهود شركاء حقيقيين يؤمنون بالعمل لا بالعطاء المؤقت.
الأبعاد الاقتصادية
وحول هذا الحدث قال المحلل والباحث السياسي علي إبراهيم التيناوي: إن الرئيس الشرع قدم مجموعة من التصريحات التي تعكس مزيجاً بين الأبعاد الاقتصادية والتنموية والسياسية، وتقدّم رؤية واضحة لكيفية إعادة توجيه اقتصاد سوريا نحو النمو والاستدامة بدعم دولي وإقليمي.
وأضاف التيناوي: إن الرئيس الشرع بقوله: إن المعونات لا تساعد على البناء وإنما تساعد على الكسل، يضع تركيزاً صريحاً على أن اقتصاد سوريا لن يُبنى على إعانات خارجية فقط، بل على استثمارات حقيقية تتجه نحو الاعتماد على الذات، وهذا التوجّه الاقتصادي يتماشى مع ما أفاد به بأن سوريا جذبت حتى الآن استثمارات تُقدّر بنحو 28 مليار دولار خلال عشرة أشهر، كما أكّد أن القيمة لن تكون فقط في ضخّ رؤوس الأموال، بل في تطوير الكفاءات والبُنى التحتية والموارد البشرية، وهو مؤشر إيجابي لأن بناء رأس المال البشري يُعد شرطاً لنمو مستدام وليس لنمو مؤقت.
من جهة أخرى، وضع الرئيس الشّرع سوريا كـ “بوابة الشرق وطريق الحرير في المنطقة والعالم”، لأن موقع سوريا الاستراتيجي يمكن أن يُستغلّ كممر تجاري عالمي في ظلّ انقسامات أو اضطرابات في سلاسل التوريد بين الشرق والغرب، هذا الموقف يجعل من سوريا لاعباً في سلسلة القيمة الإقليمية والعالمية، وليس مجرد متلق للاستثمارات فقط.
ويتابع التيناوي بالقول: إن الرئيس الشرع بتركيزه على أن “قانون الاستثمار الحالي في سوريا من أفضل القوانين الموجودة في العالم”، يعكس محاولة لتوجيه رسالة مطمئنة للمستثمرين الأجانب بأن البيئة الاستثمارية من تشريعات وضمانات أصبحت مؤاتية، ما يعزّز الثقة ويخفض تكاليف المخاطر الاقتصادية المرتبطة بدخول السوق السوري.
الأبعاد السياسية والإقليمية

أما على المستوى السياسي، يقول التيناوي: إن تصريحات الرئيس الشّرع تكشف عن عدة معالم هامة:
أولها: أن “الاقتصاد مرتبط بالأمن الإقليمي في المنطقة”، فهو يربط بوضوح بين الاستقرار السياسي سواء الداخلي أو الإقليمي وبين النمو الاقتصادي، وهذا الربط يكشف عن توجه استراتيجي، مفاده أن عدم الاستقرار يُولّد تكاليف ضخمة للاقتصاد من هجرة، وتهريب، وتعطّل الاستثمارات وغيرها.
ثانياً: توجيهه بأن “سوريا لا تريد أن تكون عبئاً على أحد ونريدها أن تبني نفسها بنفسها”، يعبّر عن رغبة في استعادة السيادة الوطنية، وإبعاد فكرة الاعتماد الطويل على الدعم الخارجي، وهو ما يُرسّخ رسالة سياسية مفادها: أن البلد يُعيد بناء موقعه بمبادرة وطنية موجهة نحو الشراكة وليس التبعية.
ثالثاً: إبرازه لدور المملكة العربية السعودية، باعتبارها قبلة الاقتصاديين وبوصلة في المنطقة الاقتصادية، يضع الرياض في محور الشراكة الإقليمية، ما يعكس تحوّلاً في العلاقات الإقليمية تجاه سوريا، من فرض عزلة إلى بناء تحالفات اقتصادية سياسية، وهذا الانفتاح يعزّز الشرعية الدولية والإقليمية لسوريا كفاعل اقتصادي وإقليمي.
ويؤكد التيناوي أن استراتيجية الرئيس الشرع المعلنة والمتمثلة بأن إعادة الإعمار ستكون من خلال الاستثمار بعيداً عن طريق المساعدات، تحمل دلالات تحول في نموذج التنمية من المساعدات، التي غالباً ما تأتي بشروط أو تُؤدّي إلى اعتماد على الغير، إلى شراكات استثمارية تكون فيها سوريا طرفاً فاعلاً.
تحديات محتملة
ويقول التيناوي: إن ما يميّز خطاب الرئيس الشّرع هو التوازن بين الطموح والعملية، فعملية الإصلاح والاستثمار بدأت فعلياً، لا مجرد شعارات.
كما أن السعودية قدّمت دوراً فاعلاً في هذا الملف، من خلال توقيع استثمارات ملموسة واتفاقيات مع سوريا، لكن على الرغم من الطابع الإيجابي، تبقى هناك تحديات واضحة، فإعادة الإعمار في بلد دُمّر لسنوات طويلة تتطلب بنية تحتية قوية، واستقراراً سياسياً داخلياً، ومعالجة الدين والعجز المالي، وكذلك الشفافية والمساءلة للمستثمرين الخارجيين.
وأوضح التيناوي أن حديث الرئيس الشّرع في الرياض يعكس رؤية متكاملة تجمع بين اقتصاد المعرفة ورأس المال البشري، وبين الشراكة الإقليمية الجديدة مع السعودية كمحور، وبين استعادة سيادة القرار والتنمية الذاتية، من خلال ربط الاستثمار بالأمن، والابتعاد عن نموذج المساعدات، وتحويل سوريا لبوابة تجارية إقليمية، لإعادة رسم موقع البلاد الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط.
وفي الختام أشار التيناوي إلى أنه إذا ما نجحت هذه الرؤية فعلياً في التنفيذ بمعنى جذب الاستثمارات النوعية، وبناء الكليات والبنى التحتية، وضمان الاستقرار، فإنها قد تمثل نموذجاً للتعافي والتنمية ما بعد الصراع، وفي هذا، تلعب العلاقات مع السعودية وبيئة الاستثمار المحسّنة دوراً جوهرياً في ترجمة هذا الطموح إلى واقع، وبالتالي، يمكن القول: إن الرسالة التي أرسلها الرئيس الشّرع هي رسالة أمل لاقتصاد سوريا، قائمة على استثمار الفرص المحلية والعالمية، وعلى الشراكة بدل التبعية، وعلى البناء بدل الإعالة وهي رسالة تنبعث من رؤية سياسية واقتصادية متناسقة وتأخذ في الاعتبار أبعاد الأمن والاستقرار والنمو والتكامل الإقليمي.