الليرة تتراجع أمام الدولار والأسعار تواصل الارتفاع

الثورة – وفاء فرج:

شهد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، تراجعاً مستمراً في الأسواق المحلية، مما يثير قلقاً واسعاً حول القدرة الشرائية للمواطنين واستقرار الأسعار. وربما يعود هذا التدهور إلى مجموعة من العوامل منها السياسة النقدية الخاطئة، والهيكلية والظرفية التي تضغط على الاقتصاد الوطني.

أرجع النائب السابق لغرفة صناعة دمشق وريفها لؤي نحلاوي، التراجع الحالي في قيمة الليرة السورية إلى عاملين رئيسيين هما: تراجع تدفق القطع الأجنبي بعد انتهاء الموسم الصيفي، والمضاربة الواضحة على العملة الوطنية. وأشار نحلاوي إلى أن الموسم الصيفي الماضي شهد “توافداً كبيراً من أهل البلد والأجانب والسياح”، مما أدى إلى ضخ وغزارة في تدفق النقد والقطع الأجنبي، وهو ما خفّ بشكل ملحوظ حالياً، مستشهداً بـ “خلو المطارات والطائرات” من المسافرين مؤخراً.

المضاربة وتغيير العملة

ورأى نحلاوي أن هناك مضاربة واضحة على العملة، معرباً عن أمله في أن يؤدي الحديث عن تغيير العملة في شهر كانون الأول القادم إلى “توقف المضاربة”. وأعرب عن خشيته من أن تكون الأموال التي اختفت من الأسواق والبنوك في الفترة السابقة ضمن النظام المخلوع، تُستعمل حالياً للمضاربة على الدولار. وتوقع أن تبديل العملة في كانون الأول سيؤدي إلى “نظرة” للمضاربين. وأكد نحلاوي أن الليرة السورية اليوم مقياسها هو العرض والطلب، وأن سعر السوق أصبح فوق السعر الذي يسعره البنك المركزي 11.500، مرجعاً ذلك إلى المضاربة.

ودعا نحلاوي البنك المركزي إلى التدخل بشكل واضح إذا كان يرغب في الحفاظ على سعر الصرف، مشيراً إلى أنّ هناك معلومات سابقة تفيد بأن الدولار “سيتعوم على سعر 15ألف ليرة سورية”. وطالب نحلاوي البنك المركزي بـ “الخروج والتوضيح” وتقديم خطة واضحة حول ما إذا كان سيتدخل لمواجهة المضاربة، أو سيترك السوق يرتفع أو ينخفض، مؤكداً أن هذا التوضيح ضروري في المرحلة الحالية.

بدوره أكد الخبير في التخطيط الاقتصادي أحمد محمود عاصي، أن التراجع المستمر في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار يعود إلى مجموعة من العوامل الهيكلية والظرفية التي تضغط على الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن ضعف الثقة في القطاع المصرفي ونقص السيولة هما من أبرز هذه العوامل. وأوضح عاصي أن ضعف الثقة، ونقص السيولة، يؤديان إلى توقف عمليات الإقراض واعتماد الناس على السوق السوداء، لذا، من المهم أن تركز سياسات البنك المركزي على إعادة بناء الثقة وتحفيز القطاع المصرفي ليكون وسيطاً فعالاً بين المدخرين والمستثمرين. وشدد على ضرورة إيجاد صيغة للتنسيق مع وزارة المالية والمؤسسات الأخرى لتوجيه السياسات المالية والاقتصادية بشكل متكامل لدعم استقرار العملة وتعزيز النمو.

تحديات

وأشار عاصي إلى أنه رغم الجهود المبذولة، تواجه السياسات النقدية تحديات كبيرة بسبب الواقع الاقتصادي الصعب، والعقوبات، ونقص المرونة المالية، وانتشار الاقتصاد غير الرسمي، ممّا يحدّ من فعاليتها في استقرار الليرة على المدى القصير. وتوقع عاصي أن تستمر التقلبات في سعر الليرة خلال الفترة القادمة ما لم تطرأ تغييرات سياسية أو اقتصادية جوهرية. كما أكد أن مكافحة التهرب الضريبي وتحسين تحصيل الضرائب، يشكلان جزءاً مهماً من السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تدعم استقرار سعر صرف الليرة وتعزز الاقتصاد الوطني بشكل عام. وختم عاصي بالإشارة إلى أن عدم استقرار سعر الصرف وغياب الشفافية يؤديان إلى فقدان الثقة بالليرة كأداة لحفظ القيمة، مما يشجع الأفراد والشركات على “تخزين” الدولار والذهب، وبالتالي زيادة الطلب عليه في السوق الموازية.

التأثير الإيجابي

بدوره أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق لؤي الأشقر، أن ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية مستمر، وذلك رغم المؤشرات الإيجابية للانفتاح الخارجي والحراك الإقليمي والدولي. وأرجع الأشقر استمرار هذا التراجع إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها: غياب الأثر الفوري للانفتاح، موضحاً أن معظم الاتفاقيات والمبادرات لا تُترجم مباشرة إلى تدفق فعلي للعملة الأجنبية أو استثمارات قصيرة الأجل، مشيراً إلى أن التأثير الاقتصادي الإيجابي يحتاج وقتاً حتى يظهر، وضعف الإنتاج والتصدير، أكد أن سوريا لا تزال تعتمد على الاستيراد أكثر من التصدير، مما يعني طلباً دائماً على الدولار دون تدفقات مقابلة من العملة الصعبة، وشحّ التحويلات الرسمية والقطع الأجنبي: إذ لفت إلى أن قنوات التحويل الآمنة والمباشرة محدودة، ومعظم القطع الأجنبي يُدار في السوق الموازية، و تضخم داخلي واستمرار طباعة العملة.

وأشار إلى أن استمرار طباعة العملة يزيد من تآكل قيمة الليرة وفقدان الثقة الشعبية والمصرفية، إذ يميل المواطن والتاجر للاحتفاظ بالدولار أو الذهب خوفاً من تقلبات الليرة.

وخلص الأشقر إلى أن الحراك الخارجي مهم، لكنه لا يكفي دون إصلاح داخلي حقيقي، وتحريك عجلة الإنتاج، وضبط السوق، وتحقيق استقرار نقدي تدريجي مبني على خطوات اقتصادية واضحة.

ويرى رئيس لجنة الاستثمار في غرفة تجارة وصناعة القنيطرة محمد خير درويش، أن ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية يعود إلى عدة نقاط محورية، أبرزها السياسة غير الواضحة للبنك المركزي، وعزوف المودعين عن المصارف، وتحول الصناعيين من الإنتاج إلى الاستيراد.

تغيير العملة يضغط على الدولار

أشار درويش إلى أن سياسة المصرف المركزي غير الواضحة، خاصة فيما يتعلق بـ “تغيير العملة”، دفعت المدخرين بالليرة السورية إلى تبديل مدخراتهم بالدولار أو الذهب، ما خلق ضغطاً كبيراً على الدولار وزاد من طلبه في السوق.

وأوضح أن تصريحات حاكم المصرف المركزي حول الحفاظ على قيمة الليرة تثير قلق المواطنين، إذ يميل رأس المال الجبان إلى البحث عن ملاذات آمنة كالعقار أو الذهب أو الدولار في ظل عدم استقرار الوضع.

وانتقد درويش عدم تدخل المصرف المركزي في السوق بطرح الدولار لخلق التوازن، كما كانت العادة في السابق، مشيراً إلى أن هذا التدخل لم يحدث منذ عام، رغم أن المركزي كان يدخل كميات كبيرة من الدولار عبر الوسطاء وشركات الصرافة للحفاظ على قيمة الليرة.

كما لفت إلى عزوف المودعين المحليين والخارجيين عن إيداع أموالهم في المصارف بسبب “السياسة النقدية الخاطئة”، إذ فقد المواطن الثقة في قدرته على سحب أمواله المودعة بشكل سلس، ما أدى إلى سحب الأموال من المصارف.

تحول الصناعي

واعتبر درويش أن النقطة الأهم التي فاقمت الأزمة، هي تحول الصناعي والمنتج المحلي إلى مستورد، وأوضح أن المنتج والصناعي المحلي انتقل من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة استيراد المنتج النهائي وطرحه في السوق، لأنه أصبح أرخص له، مستشهداً بقطاعات، مثل السيراميك والدهانات والمواد الصحية.

وأكد أن هذا التحول جعل الضغط على الدولار يتزايد، إذ إن المستورد يحتاج إلى الدولار لتمويل تعاملاته الخارجية، محذراً من أن الوضع يتجه نحو الأسوأ إذا استمر هذا التحول من مرحلة الإنتاج والتصدير إلى مرحلة الاستيراد، ما يؤدي إلى زيادة البطالة وهجرة العمالة.

وشدد درويش على أن الحل يكمن في الإنتاج تحديداً، لضمان الاكتفاء الذاتي، وخلق فرص عمل، وجلب القطع الأجنبي عبر التصدير.

ضعف الإنتاج

حدد الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش الأسباب الجوهرية التي تقف وراء التراجع المستمر في قيمة الليرة السورية، مشيراً إلى أن هذا التراجع يعود إلى عوامل اقتصادية وهيكلية لم يتم معالجتها بشكل كافٍ، وأوضح عياش أن الأسباب الرئيسية لتراجع قيمة الليرة تتمثل في ضعف الإنتاج المحلي وتراجع الصادرات، ما يقلل من تدفق العملة الصعبة إلى البلاد زيادة المستوردات عموماً، ولا سيما استيراد السيارات، ما يزيد الطلب على الدولار، وضعف الاحتياطات وتقييد السيولة الشديد، خاصة لقطاع الأعمال، وهو ما عزز من معدلات التضخم وتسبب في تراجع أكبر في الثقة بالعملة الوطنية، بالإضافة إلى زيادة الرواتب والأجوردون زيادة مقابلة في الإنتاج، ما يفاقم الضغوط التضخمية، تأخر تنفيذ الاستثمارات التي أعلن عنها بعد مرحلة التحرير.

تأثير العقوبات

وشدد عياش على أن تأخر رفع العقوبات أخر الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتأخر إعادة الاندماج في النظام المصرفي العالمي، وأكد أن هذا التأخير يعيق الاستثمار الخارجي، ويؤثر على تحويلات المغتربين، كما يعيق القدرة على تأمين الموارد والتمويل الضروري لعملية التعافي الاقتصادي.

كما أشار إلى أن الأنباء حول طباعة عملة جديدة وحذف أصفار واستبدال، بالإضافة إلى المضاربة على الليرة من جهات محلية وخارجية، تسهم في زعزعة استقرار سعر الصرف.

وختم عياش بالتذكير بأن التحسن الذي شهدته قيمة الليرة بعد التحرير كان لأسباب معنوية وليس بدوافع اقتصادية جوهرية، وهو ما ساعد على تحسن اسمي لقيمة الليرة، مؤكداً أنه كان من المتوقع ألا يستمر هذا التحسن طويلاً، وهو ما نشاهده حالياً.

آخر الأخبار
"إعمار سوريا": خبراتٌ عالمية تتجسد.. وتخصصٌ دقيقٌ يرسم طريق المستقبل اعتراف سوريا بجمهورية كوسوفو.. فتح نوافذ جديدة في الساحة الأوروبية "الشّات" يدمّر العلاقات الإنسانيّة ويعيق التّوازن النّفسي لدى مدمنيه دفعة جديدة من اللاجئين السوريين تعود من لبنان التنافس والخلافات المتصاعدة تعمق الانقسام بين واشنطن وبكين "تموين حمص" تنظم 651 ضبطاً بحق المخابز منذ بداية العام 7 مليارات دولار لإعمار الطاقة في سوريا وائل علوان: التنمية والازدهار عنوان المرحلة المقبلة في سوريا ارتفاع الدولار مؤقت.. وتدفق التحويلات الخارجية سيعزز استقراره الدرعية السعودية ودورها بتأهيل المواقع التاريخية في سوريا أحمد العمار: السعودية بوصلة العالم نحو سوريا 116 عملية جراحية بالمخ والأعصاب لفريق تطوعي سعودي في دمشق مياه الصرف الصحي تغمر أحياء القصير ومجلس المدينة يعد بحلول جذرية  فرع هيئة الاستثمار بطرطوس يبدأ رحلة جديدة مع المستثمرين سوريا تعترف بجمهورية كوسوفو..فماذا نعرف عنها؟ الدولار يزعزع الإيقاع ويشعل الأسعار  وفد البنك الدولي: سوريا تمتلك موقعاً محورياً في منظومة النقل الإقليمي     سوريا في "دافوس الرياض".. اقتصاد وطني نحو الشراكة لا التبعية أعمال تأهيل دواري الموت والبلليرامون .. لمسات جمالية في مداخل حلب الاستثمارات والمنح تعوض "التهالك الاقتصادي"