الثورة-أسماء الفريح:
أعلنت سوريا أمس اعترافها بجمهورية كوسوفو دولة مستقلة وذات سيادة، ووفق بيان لوزارة الخارجية والمغتربين فإن اعتراف سوريا بجمهورية كوسوفو جاء انطلاقاً من إيمانها بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحرصها على تعزيز مبادئ السلام والاستقرار في منطقة البلقان والعالم.
وأكدت الوزارة أن هذا القرار يأتي في إطار السياسة السورية الرامية إلى توسيع جسور التعاون والانفتاح مع مختلف دول العالم، وبما يخدم المصالح المشتركة، ويعزز علاقات الصداقة بين الشعوب.
وقالت الوزارة: إن الجمهورية العربية السورية تعبر عن تقديرها العميق لجهود المملكة العربية السعودية، ودورها البناء في تقريب وجهات النظر، ودعم الحوار والتفاهم، الذي أسهم في تهيئة الظروف المناسبة لاتخاذ هذا القرار.
وكان الاجتماع ثلاثي عُقد في العاصمة الرياض أمس، ضمّ سوريا والمملكة العربية السعودية وجمهورية كوسوفو، جرى خلاله بحث سبل تعزيز العلاقات والتفاهم المشترك، بما في ذلك مسألة الاعتراف المتبادل وفتح آفاق التعاون الثنائي.
حدث تاريخي
هذا ووصفت رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني اعتراف سوريا بجمهورية كوسوفو بـ”الحدث التاريخي”، معربة عن شكرها للسيد الرئيس أحمد الشرع على هذه الخطوة، وقالت عثماني على صفحتها على فيسبوك: “بدعم من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود تم التوصل في الرياض إلى اتفاق تعترف بموجبه الجمهورية العربية السورية بجمهورية كوسوفو”، وأضافت عثماني: إن “شعبي كوسوفو وسوريا عانيا وضحيا تضحيات كبيرة من أجل نيل الحرية”، مبينة أن”هذا الاعتراف المتبادل لا يقتصر على الاعتراف بسيادة الدولة فحسب، بل يشمل أيضاً تكريم تضحيات أجيال ناضلت من أجل العيش بحرية”.
جدير بالذكر أن الرئيس الشرع كان التقى رئيسة كوسوفو على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي بنسخته الرابعة جنوب تركيا في نيسان الماضي، وأعلنت عثماني آنذاك عن استعداد بلادها لفتح فصول جديدة من التعاون مع سوريا، مشيرة إلى أن البلدين يتشاركان الجراح نفسها وآلام الحرب وإعادة الإعمار.
ووصفت عثماني في مقابلة مع قناة “RTV21” الكوسوفية لقاءها مع الرئيس الشرع آنذاك ، بـ “الرائع”، ودعت إلى تقارب أكبر بين بلادها وسوريا، وأشارت في المقابلة إلى أن بلادها لم تسعَ مطلقاً إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام المخلوع، وقالت: “الآن، نأمل أن يتم تعزيز علاقاتنا مع مؤسسات سوريا الحرة”.
السعودية ترحب
بدورها، أعربت الخارجية السعودية عن ترحيب المملكة العربية السعودية بإعلان سوريا اعترافها بجمهورية كوسوفو، وعن تطلعها لأن يسهم هذا الاعتراف في تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، بما يدعم ازدهار شعبيهما، ويعزز علاقاتهما المستقبلية.
كما شددت على حرص المملكة الدائم على دعم أطر التعاون الدولي، بما يمكّن من تعزيز السلام والازدهار لشعوب العالم أجمع.
ماذا نعرف عن كوسوفو؟
كوسوفو دولة صغيرة في منطقة البلقان في جنوب شرق أوروبا، تحدها ألبانيا غرباً، ومقدونيا في الجنوب الشرقي، والجبل الأسود في الشمال الغربي، وصربيا في الشمال الشرقي، وتبلغ مساحتها: 10,887 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة.
أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008، وعاصمتها بريشتينا، ولغتاها الرسميتان هما الألبانية والصربية، وعملتها هي اليورو.
عقب إلغاء صربيا الحكم الذاتي عام 1989 وقمعها الألبان، شهدت المنطقة بين عامي 1998 و1999 صراعاً مسلحاً بين جيش تحرير كوسوفو والجيش الصربي، وارتكبت القوات الصربية “مجازر وحشية ضد المدنيين الألبان”، وأدى ذلك إلى تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” وشنّ غارات جوية على مواقع صربية لإجبارها على الانسحاب، ومن ثم تم فرض حماية الأمم المتحدة على الإقليم إلى أن أعلنت كوسوفو استقلالها من طرف واحد في 17 شباط 2008.
حتى الـ 29 من تشرين الأول الجاري، اعترفت بكوسوفو 109 دول كعضو في الأمم المتحدة، بينها 22 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، و28 دولة من أصل 32 دولة عضو في الناتو، و37 دولة من أصل 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي.
نظام جمهورية كوسوفو برلماني، ويركز دستورها على مبدأ توزيع السلطات، ويمنحها حيزاً للحضور الدولي، ولا يسمح بضمها أو إلحاقها كليّاً أو جزئيّاً إلى دولة أخرى، كما تعود السلطة التنفيذية لحكومة كوسوفو التي يقوم رئيس الجمهورية بتكليفها بذلك، وينتخب رئيس الدولة من قبل أغلبية أعضاء البرلمان، الذين ينتخبون أعضاء الحكومة حسب الأغلبية.
وأما نظام الجمهورية القضائي فهو مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، أي أنه يعد سلطة مستقلّة بذاتها حسب الدستور، ومن أبرز الأحزاب في البلاد الحزب الديمقراطي الكوسوفي والجبهة الديمقراطية الكوسوفية والتحالف من أجل مستقبل كوسوفو.
وحول جغرافيتها، فإن البلاد تتكون معظمها من الجبال بنسبة 80بالمئة، وأعلى نقطة فيها هي جبل جيرافيسا، الذي يقع على ارتفاع 2656 مترا عند الحدود الغربية مع ألبانيا، وفيها نهر نيروديمكا البالغ طوله 41 كلم، فيما تمثل نسبة الأراضي الزراعية في كوسوفو 52.8بالمئة من إجمالي أراضي البلاد.
وتعتمد البلاد في مواردها الطبيعية على المعادن، منها النيكل، والرصاص، والزنك، والمغنيسيوم، والليغنينت، والكاولين، والكروم، والبوكسيت.
من العصور القديمة وحتى أواخر العصور الوسطى، بقي جزء كبير من منطقة البلقان يقع داخل المناطق الحدودية للإمبراطورية البيزنطية، وفي عام 1389 حصلت معركة كوسوفو وفيها هزمت الدولة العثمانية قوة من الصرب وحلفائهم، وبحلول منتصف القرن الـ 15 كان العثمانيون قد أقاموا حكماً مباشراً على كل صربيا، بما في ذلك كوسوفو. وبقيت كوسوفو جزءاً من الدولة العثمانية طيلة 5 قرون ووقتها زاد اهتمام أهل المنطقة بالإسلام، وزاد عدد الناطقين باللغة الألبانية، وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت كوسوفو ضمن مملكة يوغوسلافيا، وأثناء الحرب العالمية الثانية اتحدت كوسوفو مع ألبانيا تحت السيطرة الإيطالية عام 1941 بعد احتلال دول المحور ليوغوسلافيا.
تم منح كوسوفو حكماً ذاتياً في عهد رئيس يوغسلافيا جوزيب بروز تيتو عام 1945، لكن حدة التوترات ازدادت بين الصرب والألبان منذ تفكك الاتحاد اليوغسلافي وإعلان جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، إلى أن بدأت الاحتجاجات السلمية في كوسوفو عام 1989 بقيادة إبراهيم روغوفا، رفضاً لقرار إلغاء الحكم الذاتي من قبل الرئيس الصربي آنذاك سلوبودان ميلوسيفيتش.
قرر ألبان كوسوفو بعد تيقنهم من عدم حل مطالبهم سلميا، تشكيل “جيش تحرير كوسوفو” واستمرت المعارك مع القوات الصربية إلى حين بدء مفاوضات دبلوماسية في فرنسا في شباط 1999، لكنها توقفت الشهر التالي بعد أن باءت بالفشل. وفي الـ24 من آذار من العام ذاته، بدأت قوات الناتو قصف أهداف عسكرية صربية لإجبار بلغراد على الانسحاب من كوسوفو، وفي حزيران 1999 وقعت يوغسلافيا وحلف الناتو معاهدة سلام نصت على استبدال القوات الصربية بقوات دولية، وخضعت المنطقة لإدارة الأمم المتحدة ورغم ذلك بقيت العلاقات متوترة بين الصرب والألبان.
إعلان الاستقلال
غيرت يوغوسلافيا اسمها إلى صربيا والجبل الأسود عام 2003، ثم انفصلت المنطقتان إلى دولتين مستقلتين عام 2006، واستمرت صربيا في اعتبار كوسوفو جزءاً من أراضيها. لكن تحت إشراف الأمم المتحدة، استطاعت كوسوفو إنشاء دولة مستقلة، وفي شباط 2008 أعلنت استقلالها رسمياً عن صربيا. في عام 2009 انضمت كوسوفو إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتعدّ الجمهورية من إحدى الدول الأوروبية ذات الاقتصاد الصغير المتنامي.