الثورة – رنا بدري سلوم:

يعكس تكريم الدكتور مازن المبارك كحارس للغة، بفوزه بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية لهذا العام، والتي أطلقتها المملكة العربية السعودية، أهمية الحفاظ على التراث اللغوي العربي في ظل التحديات الثقافية الحالية.
فكيف يمكن لمسيرة الدكتور المبارك أن تسهم في تعزيز الهوية الثقافية العربية؟، وهل يعتبر تكريمه بمثابة خطوة نحو التأكيد على دور الأفراد في الحفاظ على اللغة في عصر العولمة والتكنولوجيا، وربطها بين الماضي والحاضر الرقمي؟ على اعتبار أن عمله نوع من مقاومة للتلاشي الثقافي الذي قد تسببه اللغات المهيمنة، ومقاومة التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الحديث، هل يمكن لهذا النوع من التقدير والتكريم أن يحفّز الأجيال القادمة على الاهتمام باللغة العربية وحمايتها من الانقراض أو التغيير؟.
تلك الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى الناقد والأديب أحمد هلال، الذي قدم لصحيفة الثورة تأملاً عميقاً في دور العلامة الدكتور مازن المبارك في الحفاظ على اللغة العربية، لا يكتفي الناقد بتسليط الضوء على أبحاثه ومنهجه العلمي، بل يربط بين عمله وجهود حماية الهوية الثقافية العربية، تكريمه بجائزة مجمع الملك سلمان للغة العربية، هو في الواقع تكريم لشخصية علمية فذة قدمت مساهمات جليلة على مدى عقود في ميدان اللغة والأدب والعلوم الشرعية.
من خلال تحليله، الدكتور المبارك مثال حيّ للربط بين الأصالة والتحديث، لم يقتصر عمله على الحفاظ على التراث اللغوي العربي وحسب، بل سعى لتطويره بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، وهذه نقطة أساسية في مشروعه، كما أن عمله في تحقيق الكتب التراثية ودراساته في الصرف والنحو والقرآن تعكس إبداعاً منهجياً يشير إلى عمق معرفي ووعي تاريخي.
الناقد هلال يجد أنه لا ريب من تكريم العلامة السوري الدكتور مازن المبارك، عضو مجمع اللغة العربية في دمشق، بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، الذي سينطوي على العديد من الدلالات أهمها: تكريم اللغة العربية وتكريم واحد من سدنتها الكبار، الذين جعلوا من اللغة حارسة للقيم ومرسخة للهوية، ودالة على التجديد في التراث اللغوي العربي على الرغم مما يهدد اللغة من تحديات ثقافية ووجودية بآن، فتكريم حارس اللغة هو إعادة الاعتبار لعطاء شخصية فذة على المستوى العلمي والبحثي، عطاء طاول سبعة عقود من الزمن، لطالما رسخ على الدوام الوعي اللغوي والتراثي كمثال على الأصالة والتحديث.
ولعل مسيرة الدكتور المبارك قد أسهمت بشكل حيوي ومستدام في صون وتعزيز الهوية الثقافية العربية، وصون وعائها الحضاري وملاءتها المعرفية، وبالمعنى التاريخي تتكامل مع أدوار من سبقه، وتؤسس لمن سيليه في خطوط الدفاع الأولى عن اللغة ككينونة وكإطار وجودي وتعبير حضاري يتصل بالمستقبل.
لا شك أن هذا الدور سيتكامل فيه الوعي الفردي بالوعي الجمعي، مع الأخذ بعين النظر استثنائية دور الأفراد، فالحفاظ على اللغة العربية بثوابتها وأصالتها في وجه المتغيرات هو جزء من أداء الرسالة، سيكتمل بالأدوار الكبرى لحراس اللغة في عصر الكوكبية وإمحاء الخصوصيات وتشظي الهويات.
ولفت هلال إلى أن ما قدمه الدكتور المبارك من أبحاث في اللغة العربية والأدب، ودوره الرائد بتحقيق كتب تراثية مهمة، مثّلت علامة بالتجديد اللغوي فضلاً عن دراساته المحكمة ودراساته في علم الصرف، كما الدراسات الشرعية والعقدية، ودراسات في علوم القرآن بما قدمته من قيم التجديد وفرادة المنهج، والضبط المنهجي الذي أرسى القواعد والأصول، وليس من العجب أن يأتي كتابه “العربية هوية ونسب” في ذلك المضمار من التجديد والصوغ المنهجي، وبأدوات باحث موسوعي عليم.
أدرك أن اللغة العربية هي المستقبل في تعزيز صورة الثقافة العربية، كما الدفاع الذكي عنها بوعي حضاري يتجاوز متعاليات الهيمنة، إذ يمكن لنا أن نعتبر أنه في هذا السياق كان عمل الدكتور المبارك نوعاً من المقاومة للتهميش الثقافي والحرب على الهوية العربية والإسلامية، في ظل ما يشهده العالم من توترات وحروب وأزمات استهدفت المكونات والمنظومات الحضارية للإنسان العربي والمسلم.

وإن القول بالتأثير الإيجابي الواسع الطيف لإسهامات الدكتور المبارك في حقول اللغة العربية والثقافة العربية، هو قول دقيق لأنه سينفتح على معنى الوحدة الثقافية بين الدول العربية، وبوصف اللغة العربية اللحمة والسدى، التي توطد أركان الهوية المهددة على الدوام بالتلاشي أمام زحف الهويات القاتلة، فالإيجابية بهذا المعنى هي نشر الوعي اللغوي لجسر الهوّة الحضارية بين العرب والعالم، فهي الجسر الذي تعبر عليه المثاقفة الحية والخلاقة، حتى تأخذ الشخصيّة العربية، وبالمعنى الحضاري والتاريخي مكانها تحت الشمس، وتظل شمس العرب ساطعة.
فجوهر رسالة العلامة السوري الدكتور مازن المبارك، وبحسب هلال، هو وعي الاستحقاقات التي تواجه اللغة من خلال التحديات، هذا الوعي الذي أملى عليه شحذ أدواته ومنهجه وفكره، ووعيه التاريخي للدفاع عن اللغة العربية واستشراف مستقبلها وتشكيل البيئة المعرفية صوناً لجوهرها المكين، حفاظاً على خصوصيتها وأصالتها ودورها ومكانتها أمام مختلف التحديات.
وهكذا ينبغي العودة إلى مساهماته في التحقيب والجرح والتعديل والتحقيق، وريادته في تعزيز المهارات اللغوية والتعريب كما أدبيّاته اللغوية والفلسفية، تحفيزاً للأجيال الجديدة وتمكينا لها، لتستثمر في ثقافتها، وتبدع في التعبير والتفكير.
صوناً للوعي الثقافي العربي لحراسه وأجياله بما يحفظ مستقبل اللغة بوصفها أداة ومكوناً يعزز حضور الأجيال الجديدة في وجه التحديات الكثيرة التي يواجهونها، وختم الناقد أحمد هلال بالقول: يستحق الدكتور مازن المبارك أن يكون شخصيّة العام اللغوية نظراً لإسهاماته اللغوية والمعرفية والثقافية كإرث لا ينضب ويستقيم وعيه بالممارسة الدالة فكراً وإبداعاً وجمالاً ليصبح أسلوب حياة.