الثورة -علا علي محمد:
تعد الأسرة البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل وينمو سلوكه وتتكون شخصيته، كما توفر له دعماً عاطفياً ومادياً. والأسرة كمؤسسة أساسية تقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية للطفل، وتعد الضمانة الحقيقية لتماسك المجتمع وتعاضده، وبالتالي من واجبها رأب الصدع في الاتجاهات كافة، بحيث تكون القادرة على رعاية الأدمغة والأخذ بيدهم، وأن تكون القوة الحاضرة التي تزيد النمو المجتمعي وترفده بالطاقات التي تذود عن الوطن وتزيد من منعته.
حول هذا الموضوع التقت صحيفة الثورة الدكتور طارق العريفي “جامعة دمشق” حيث أكد أن الأسرة هي الركيزة التي يقوم عليها صرح الاستقرار الإنساني والاجتماعي. فهي المؤسسة التيُ تغّذي الفرد بالقيم، وتزّوده بمعايير السلوك، وتشكل وجدانه و اتجاهاته. وإذا ما تزعزعت هذه المؤسسة، وبدأت تعاني من التفكك والاضطراب، فإن المجتمع برّمتهُ يصاب بالوهن، لأن الأسرة هي المرآة العاكسة لقوة المجتمع أو ضعفه. ومن هنا يمكن القول إن التفكك الأسريُ يعّد أحد أبرز أسباب التخلف المجتمعي.

أشكال التفكك الأسري
وقال الدكتور العريفي: يَظهرُ التفكك الأسري في أشكال متعددة، منها ضعف الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة، أو غياب أحد الأبوين جسديًا أو معنويًا، أو تفشي الصراعات الزوجية، أو انحسار القيم الدينية والأخلاقية التي تحفظ توازن الأسرة. مبيناً أنه ومهما اختلفت مظاهره، فإّن نتائجه واحدة، وهي انكسار الروح الاجتماعية وضعف الانتماء الجمعي. وأضاف، إّن الفرد الذي ينشأ في بيئة أسرية متصدعة غالبًا ما يفتقدُ إلى الإحساس بالأمان والدفء، فينشأ مشوش الهوية، عاجزًا عن بناء علاقات سوية، ما يؤدي إلى ضعف إنتاجيته في الحياة العامة، ويغدو عبئًا على المجتمع بدل أن يكون عنصرًا فاعلاً فيه. ومع تراكم هذه الحالات الفردية، تظهر ظواهر اجتماعية خطيرة كالعنف، والانحراف، والأنانية، واللامبالاة، وكّلها تمثل ملامح مجتمع متخلف يسوده الاضطراب بدل التماسك.
الوعي الجمعي
الدكتور العريفي أوضح أن الأسرة المتماسكة تعّد بيئة خصبة لإنتاج الطاقات المبدعة، وتربية العقول النيرة التي ترفد المجتمع بالقيم والعلم والإنتاج، فهي الحاضنة الأولى للانضباط، ولتعلُّم المسؤولية، وترسيخ الانتماء للوطن، وبقدرما تكون الأسرة قوية في تماسكها، يكون المجتمع قويًا في بنيانه، متقدمًا في حضارته، ومحصنًا في وجه الأزمات، ومنه فإّن مواجهة ظاهرة التفكك الأسري ليست مسؤولية فرد أو مؤسسة واحدة، إنما هي مسؤولية جماعية تبدأ من الوعي الاجتماعي بأهمية الأسرة، ومن ترسيخ ثقافة الاحترام والحوار داخلها، وتنتهي بوضع سياسات اجتماعية وإعلامية تحميها من عوامل الانهيار. وذكر أنه بصلاح الأسرة يصلح المجتمع، وبضعفها ينهار. وهكذا يمكن القول إن الأسرة المتماسكة ليست مجرد نواة صغيرة داخل المجتمع، بل هي قلبها النابض، وسّر بقائه وتقّدمه، بما أن الأسرة هي نواة المجتمع وأساس توازنه، فإن السؤال الجوهري لا يكمن في مجرد بنائها بل في كيفية بنائها على أسس صحيحة، تضمن تماسكها وقدرتها على أداء أدوارها التربوية والاجتماعية؛ لذلك يجب علينا أن نتناول أهمية المنهج السليم في بناء الأسرة، والعوامل التي تؤدي إلى قوتها أو تفككها، مع بيان أن التفكك الأسري هو مدخل رئيس إلى اضطراب المجتمع وتخلفه، في حين أن الأسرة السليمة تمثل حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك متعاٍف.
الدور الأسري وأهميته
وعن الدور الأسري أوضح العريفي أنه ليس المهم أن تبنى الأسرة شكلاً، إنما أن تبنى مضمونًا وروحًا، فالبناء الحقيقي لا يقوم على جمع الأفراد تحت سقف واحد، بل على توحيد الرؤية، وتكامل الأدوار، و تبادل المحبة والمسؤولية. إَّن الطريق إلى المجتمع السليم يبدأ من الأسرة الواعية التي تدرك أن رسالتها لاتقتصر على الإنجاب، وإنما تشمل التربية والرعاية، وغرس القيم، وصناعة الإنسان القادر على العطاء. وحين يختّل هذا البناء الداخلي، أو تتآكل روابطه، يدخل المجتمع في حالة من الاضطراب والتفكك تفتح الباب أمام التخلف و الضعف.
وحول الركائز الأسرية الأساسية نوه العريفي على أن التفاهم والحوار بين الزوجين، والاحترام المتبادل الذي يصون الكرامة ويؤسس للثقة، والقدوة الحسنة التي تشّكل السلوك القيمي للأبناء، والاستقرار الاقتصادي والنفسي الذي يمنح الأسرة القدرة على التوازن. عندما تتوافر هذه الأسس والركائز، تنشأ أسرة قادرة على إنتاج جيل متوازن نفسّيًا وأخلاقيًا، يعي معنى الانتماء، ويسهم في نهضة المجتمع، أما إذا غابت هذه الأسس، وتسلل التفكك إلى جدران البيت، فإّن المجتمع بأسره يواجه خطر الانهيار القيمي و السلوكي.
لذا فإن بناء الأسرة هو الهدف الأسمى، والغرض الحقيقي للإنسانية باعتبارها الخلية الأولى المليئة بالقيم والعلم والأخلاق، وتلك هي صفة الأسرة المتماسكة، التي تمنح الفرد الدفء، بالتالي ليس المهم بناء أسرة كما ذكر آنفاً وإنما الأهم هو كيف نبنيها؟ فإذا ما اعترى الأسرة التفكك والتشرذم سوف نصل إلى حالة مجتمعية لا يحمد عقباها.