الثورة – زهور رمضان:

ساد مؤخراً وبشكل لافت ظاهرة اعتماد الطفل بشكل كلي في دراسته على والديه، ظناً منه بأن لا أحد قادر على إيصال المعلومة إليه سواهم، وعلى الأخص أمه التي اعتاد على مساعدتها له في كل شيء، حيث أضحى لا يحضر دروسه دون وجودها ومساعدتها، مما يحملها عبئاً إضافياً على أعبائها اليومية الكثيرة.
هذه المشكلة أصبحت موجودة لدى كل أم سورية تقريباً، فهي لا تكاد تنهي واجباتها المنزلية حتى يعود طفلها من المدرسة حاملاً على ظهره حقيبة كتبه الثقيلة، التي سرعان ما يرميها أرضاً غير آبه بما في داخلها من الكتب والواجبات المدرسية الكثيرة منتظراً أن تفتحها أمه وترى ما يتوجب عليها من واجبات وكأنها طالبة في المدرسة، ناهيك عن الوقت الذي تمضيه في إقناع ولدها لتحضير دروسه وكتابة وظائف اليوم.
معاناة كبيرة
السيدة أم ربيع لديها أربعة أطفال، أكدت أنها ربت أولادها جميعاً على محبة العلم والتقيد بالدروس والواجبات المدرسية بالاعتماد على أنفسهم فقط، مع إمكانية مساعدتهم قليلاً في أوقات فراغها، فهي موظفة ولديها أعباء إضافية في العمل، منوهة أن الوضع قد تغير معها كثيراً مع طفلها الأصغر، فهو يختلف كلياً في تفكيره عن أخوته الذين كانوا يعتمدون على نفسهم في دراستهم، أما هو لا يقبل التعلم إلا بعد رجوعها من عملها مما يجعلها متوترة وقلقة، لكثرة الإلتزامات المرمية على كاهلها.
وبدورها أم أكرم موظفة بينت أن طفلها رغم عودته من المدرسة قبلها بساعات، إلا أنه اعتاد أن تتابع أمه دروسه ووظائفه، لافتة إلى أن أخوته يحاولون تعليمه في أوقات غيابها لعلهم يخففون الضغط عنها، إلا أنه يرفض ذلك بحجة أنه لا يفهم المعلومات إلا عن طريق أمه وحدها.
معاهد خاصة
بينما أم يحيى الخياطة قالت: أنها تخرج إلى محلها منذ الساعة التاسعة صباحاً حتى التاسعة ليلاً، مما يجعلها غير قادرة على متابعة تعليم أبنائها، مشيرة إلى أن هذا لا يعني أنهم يعتمدون على أنفسهم، وإنما يذهبون إلى معاهد خاصة تتابع دروسهم وواحباتهم اليومية، فهذا الجيل حسب تعبيرها لا يحب التعلم ويبحث عن فرصة لينشغل فيها بالجوال وغيره من الوسائل الترفيهية.
فيما المدرسة عبير علي أكدت أن المدرس يساعد الطالب في كل دروسه ويواظب على تعليمه في كل الحصص الدراسية، لعله يمكنه من حفظ الدرس في المدرسة، مما يخفف المسؤولية الملقاة على الأهل، إلا أن بعض التلاميذ في الصف لا يقبلون الانتباه إلى شرح المدرس، بسبب اعتمادهم النهائي عل تعليم أمهم في المنزل، وهذه مشكلة كبيرة تعود أسبابها إلى الأم التي لا تعوّد ابنها على الاعتماد على نفسه في دراسته، فالطفل يجب أن يكتب وظائفه بمفرده تحت إشرافها من بعيد، وتابعت أن الأم يمكنها مساعدة طفلها ولكن فقط في القراءة وشرح بعض المعلومات التي لم يتمكن من استيعابها من مدرسه في المدرسة، فبهذا تكون قد ساعدت ابنها بشكل تدريجي على عدم الاتكال عليها في التعليم، مما يجعله ينتبه وبدون شرود ذهني إلى كل كلمة يقولها معلمه في الصف.
مفهوم الاستقلالية
وللتعرف على الحلول الممكنة لمساعدة هؤلاء الأطفال في الاعتماد بدراستهم على أنفسهم، بعيداً عن أهلهم أكدت الاختصاصية التربوية عتاب خليل أنه من الضروري أولاً غرس مفهوم الاستقلالية لدى الأبناء، وتشجيعهم على القيام بمهامهم الدراسية بمفردهم مع توفير بيئة هادئة خالية من المشاكل تسهم في تنظيم جدول زمني للدراسة، مشيرة إلى وجود فترات يمر بها الطفل بصعوبة في التركيز والفهم، ولتجاوز تلك المشكلة على الوالدين لابد من التحلي بالصبر والمرونة.
وأضافت خليل أن مساعدة الأبناء على الاعتماد على أنفسهم في الدراسة أحد أهم التحديات التي تواجه الأسرة ، ففي ظل الضغوط الدراسية، يبحث الآباء عن أفضل السبل لتوجيه أبنائهم نحو الاستقلالية والنجاح الأكاديمي، ويمكن للوالدين مساعدة ابنهم في الاعتماد على نفسه في مذاكرة دروسه بتشجيعه على الاستقلالية بدلاً من القيام بالمهام نيابة عنه، و تشجيعه على أخذ زمام المبادرة وحل المشكلات، وتخصيص مكان هادئ ومريح للدراسة، مع توفير الأدوات اللازمة له لمتابعة دروسه، كما يجب على الآباء تقديم الدعم المعنوي المستمر لأبنائهم، وتشجيعهم على الثقة بأنفسهم وقدراتهم، ومن المهم تعليمهم مهارات الدراسة الفعالة، مثل كيفية إدارة الوقت، وتقسيم المهام، وأخذ الملاحظات.
التحلي بالصبر

وأشارت إلى أن الأطفال يمرون أحياناً بفترات يجدون فيها صعوبة في التركيز أو الاهتمام بالدراسة، ولتجاوز هذه المرحلة يجب على الآباء التحلي بالصبر والتفهم، ومحاولة اكتشاف الأسباب الكامنة وراء هذا الرفض، بمعنى هل هناك مادة معينة يجدها صعبة؟ هل يشعر بالضغط؟ أم هناك عوامل خارجية تؤثرعليه؟ يمكن للآباء مساعدة أبنائهم على تجاوز هذه المرحلة من خلال خلق بيئة دراسية محفزة، وتحويل الدراسة إلى نشاط ممتع من خلال استخدام الألعاب التعليمية، والقصص، والأنشطة التفاعلية، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة التي يحبونها، مع تجنب الضغط الزائد الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، والتركيز على بناء علاقة إيجابية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل، كما يمكن لأولياء الأمورالتعاون مع المدرسة والمعلمين لحل أية مشاكل قد تواجه الطفل.
القدرات التعليمية
وأوضحت خليل أنه لا يوجد عمر محدد لجعل الطفل يعتمد على نفسه في المذاكرة، ولكن يمكن البدء تدريجياً في سن مبكرة. ومع ذلك، يجب مراعاة شخصية الطفل وقدراته الفردية، إذ لا يوجد عمر محدد يمكن فيه القول: بأن الطفل أصبح جاهزاً تماماً للاعتماد على نفسه في المذاكرة، فهذا يقوم على عدة عوامل، منها النضج العقلي، فبعض الأطفال يمتلكون قدرات تنظيمية وتركيزاً أعلى من أقرانهم في نفس العمر، ما يمكنهم من الاعتماد على أنفسهم في وقت مبكر، كما يعتمد أيضاً على صعوبة المادة الدراسية إذ تلعب دوراً كبيراً، فالمواد التي تتطلب تفكيراً مجرداً أو حلاً للمسائل قد تحتاج إلى إشراف أكبر من المواد الأخرى.
بشكل عام، فتدريب الطفل للاعتماد على نفسه في المذاكرة يكون بشكل تدريجي، ويمكن البدء بمهام، مثل تنظيم أدواته الدراسية أو قراءة نص قصير بمفرده، ثم زيادة درجة الصعوبة تدريجياً حتى نتأكد بأن الطفل أصبح قادراً على الدراسة بمفرده بعيداً عن الاعتماد الكلي على الوالدين في المنزل.