الثورة – ديب علي حسن:
من المعروف أن النكوص مصطلح نفسي يحمل دلالات كثيرة ولكن ماذا وراء النكوص عن امر ما..
النكوص عن موقف أو عن وعد أو عن… أو العودة إلى ما تركه المرء..
في المشهد الثقافي والإبداعي العربي الكثير من هذا النكوص الذي يمكن القول أنه خيانة للمبادىء أو تراجع عنها..
وتلطيفا نقول ( نكوص )..
فعلى سبيل المثال يمكن الحديث عربياً عن مواقف شعراء ومبدعين تخلوا عن مواقف كانت مثلاُ: توفيق الحكيم وانقلابه على المرحلة الناصرية وذهابه إلى مهاجمتها.. الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم لا يقل ما فعله قبيل رحيله عما فعله الحكيم..
وفي الأدب العربي القديم ثمة مواقف شبيهة بهذا مثل موقف النابغة الذبياني والمتنبي..
والبعض يرى أن محمود درويش في العصر الحديث قد فعل ذلك..
وفي المشهد الغربي يمكن أن نتحدث عن سارتر وموقفه من القضايا العربية وتراجعه عن تأييدها..
ويرى آخرون وجوها أخرى للنكوص من أجل تحقيق شهرة عالمية.. وهذا النكوص قد يكون التخلي عن اللغة الأم التي يكتب بها ثم التوجه إلى لغة أخرى يظن انها تعطيه الخلود والشهرة والمال وإلى هذا يشير جودت هوشيار بقوله:
(منذ اوائل القرن العشرين – وقبل ان يتحول كوكبنا الأرضي إلى قرية عالمية – بدأت ظاهرة ثقافية جديدة تبرز وتنتشر في العالم الغربي، وهي أن الرواية أو المسرحية الناضجة فكراً وفناً، إذا كتبت بأحدى اللغات العالمية – الأكثر أهمية من حيث إسهامها الحضاري – فإنها تترجم على الفور إلى اللغات العالمية الأخرى ثم تترجم من أي لغة عالمية إلى بقية اللغات).
فرانز كافكا اليهودي الجيكي كتب بالألمانية… يوجين يونسكو الروماني كتب مسرحياته بالفرنسية… وصمويل بيكيت الإرلندي كتب أهم أعماله المسرحية وهي ” في انتظار غودو ” بالفرنسية… و فلاديمير نابوكوف الروسي كتب أشهر أعماله ” لوليتا” بالأنجليزية.
إذا كتبت روايتك بإحدى اللغات العالمية فإنك تستطيع أن تعبّر عما تريد بكل حرية، ودون أي رقابة ذاتية أو حكومية، وتكون مقروءاً ومسموعاً في العالم بأسره، لذا اختار عدد كبير من أفضل كتّاب عصرنا الكتابة بإحدى اللغات العالمية التي يفضلونها).
وبغض النظر عن المحتوى الإبداعي هذا فهو ليس إلا نكوصاً وتخلياً عن الهوية الثقافية الحقيقية.
وكما يقال في المثل الشعبي ( ثوب العيرة لا يدفي وإن دفا لا يدوم).