الثورة – آنا عزيز الخضر:
استعان العرض المسرحي”أكاديمية الضحك” على نص قام بترجمته وإعداده وإخراجه الأستاذ” سمير عثمان الباش” عن الكاتب الياباني المعاصر” كوكي ميتاني”، وقد ﻻقى العرض إعجابا كبيراً، حيث تم تمديد العرض أكثر من مرة، ثم انتقل إلى المحافظات، وعرض على مسارح عديدة، كان آخرها في اللاذقية، وقد دارت عوالمه حول علاقة كاتب ورقيب، ليغوص في تفاصيل دقيقة جداً، حملت ملامح ذكية و الكثير من المقوﻻت والحقائق اليومية، ﻻقى العرض الإقبال الكبير أينما حضر، وجذبت عناصره المسرحية وتفاصيله وفكره جمهور تواق لمسرح مسؤول، رغم أن النص كان مترجماً، وطروحاته قد يخيل إلينا أنها بعيدة عن الواقع…
حول العرض وطرحه، وكيف حقق جاذبيته اللافته؟.. مجموعة من التساؤﻻت تحدث بها المخرج” سمير عثمان الباش” قائلاً:
النص ياباني ترجمته عن الروسية باللغة الفصحى بداية، كما هو. ويبدو أن المترجم الروسي نقل النص بأمانة مع إجراء تعديلات طفيفة، ليتضح المعنى، و ما فعلته أنا أيضا… ولكن مع ذلك بقيت الكوميديا فيه يابانية غير مضحكة بالنسبة لنا… بعد ذلك قمت بكتابته بالعامية وكان عليّ أن أتجاوز مسألتين رئيسيتين.. الأولى تغيير النكات وبعض القصص الكوميدية، بما يتوافق مع الذوق العربي، حتى تكون مضحكة وغير مبتذلة، والمسألة الثانية، لها علاقة باللغة، فالنص يعتمد في أحد جوانبه الهامة على اللعب بالكلمات، وهنا كان لابد من إيجاد معادلات وكلمات، لها لفظ واحد ولكنها تأخذ معنيين أو أكثر، وأحيانا اعتمدت على بعض الكلمات، التي يتغير معناها بطريقة اللفظ والنغمة الصوتية… ولكن تغيير كلمة في هذا النص قد يدفعنا إلى تغيير مسار نقاش كامل بين الشخصيات… عموماً لم يكن تحويل نص ياباني يعتمد على المحادثة واللعب بالكلمات إلى نص عربي سوري أمراً سهلاً، ولكن تفاعل الجمهور والأصداء تشير إلى أننا نجحنا في تطويع هذا النص، ليحاكي الواقع السوري… وأذكر هنا ما قالته الدكتورة لمى طيارة في مطلع مقالها الهام عن المسرحية حيث كتبت “لن تتوقعوا بعد مشاهدة العرض… أنه عرض مقتبس عن نص مسرحي يحمل العنوان نفسه للكاتب الياباني كوكي ميتاني…”
* لماذا هذا الصدى الكبير للمسرحية؟..
في الواقع لم أكن أتوقع كل هذا الإعجاب بالعمل… حتى إنني في مرحلة ما أثناء التحضير للعمل، فجأة انتابني شك بأهمية قصة العمل، وقلت في نفسي: “من سيهتم بقصة كاتب مسرحي يسعى للحصول على موافقة رسمية لعرض مسرحيته، ومراقب نصوص يرفض إعطاء هذه الموافقة؟!!”، وحزنت حين فكرت بأنه قد لا يهتم بهذه القصة سوى قليل من الناس، ولكني أعوّل دائماً على مسألة العمل والجهد، الذي أقدمه، وأجيب نفسي: ألم أقدم كل ما عندي؟ ألم أفكر بكل تفاصيل العمل؟ ألم أجد تفسيراً وتبريراً لكل كلمة ولكل رمز؟ ألم أوصل كل هذه الأفكار للممثلين وأساعدهم على إظهارها؟ وأجيب نفسي: نعم. وأستنتج
ــ إذن لابد أن يقدر الجمهور هذا الجهد في النهاية، وبالفعل هذا ما حدث… الشك ضروري في عملنا، وربما في كل عمل، ولكن يجب آلا يحبطنا، بل يجب أن يجعلنا نعيد تقييم عملنا بهدوء، ومن زاوية موضوعية.
لقد تفاعل الجمهور مع هذا العمل، ليس لأنه قصة كاتب ومراقب، بل لأنه قصة مواطن وموظف بيروقراطي… لأن قصة البيروقراطية تحول حياتنا إلى هزلية عبثية.
* ما هي المعطيات التي أدخلتها لخلق هذه الجاذبية فنياً وفكرياً..
المخرج يفكك النص باعتباره حدثاً أو ظاهرة، جرت في الحياة أو يمكن أن تجري، ويحلله ويعيد تركيبه بأفضل صورة… وهذا يعني أن عليه أن يمتلك موهبة الدراماتورغ، لأنه هو الذي يؤلف نص العرض. من ناحية أخرى يقود المخرج فريقا من المبدعين (الممثلين، السينوغراف، فنيي الإضاءة والصوت…) ما يعني أن عليه أن يعرف بعلم النفس وآليات الإبداع. من ناحية ثالثة يجب أن يمتلك وسائل فن الإخراج، كي يعكس من خلالها أفكار نص العرض، واقعياُ على الخشبة، ليتمكن الجمهور من قراءة العرض، ورابعاً يجب أن يكون للمخرج رسالة إنسانية، وموقفاً حراً من المسائل الحياتية، ومما يجري حوله من أحداث… باختصار عمل المخرج بحاجة لمواهب متعددة ومعارف كثيرة، أحاول بالجهد والعمل أن أمتلك ولو جزءاً منها، وأسخره للعمل المسرحي، لذلك تراني أحضّر للعمل عدة أشهر، وأعمل على تنفيذه عدة أشهر أخرى… فأنا أرى أن عرض العمل المسرحي أمام الجمهور مسؤولية كبيرة، ولا أفهم استسهال البعض لمهنة المخرج… فظاهرة استسهال المهن ليست صحية بل هدّامة.
البعض، ولاسيما الشباب يستسهلون اليوم عمل الإعلامي، وعمل المرشد النفسي، وعمل الممثل، وعمل كاتب السيناريو، وعمل المخرج السينمائي والمسرحي… بعضهم يحفظ عدة جمل عن الفن، فيعتقد أنه قادر على الإخراج… شيء مضحك مبكي ما يحدث في الواقع…أمّا عن سؤالك.. وماذا أدخلت في العمل ليحصل على الجاذبية؟ فأقول باختصار: لقد ضمنته كل خبرتني ومعارفي التي اكتسبتها في الأكاديميات والمسارح طوال عمري.

التالي