الثورة- فاتن دعبول:
اختارت الدكتورة ميسون علي أستاذة المسرح الحديث في المعهد العالي للفنون المسرحية لعرضها المسرحي الذي عنونته “العَود الأخير” نصين للكاتب صموئيل بيكيت، النص الأول كان بعنوان “ارتجالية أوهايو” والنص الثاني هو “خطوات»”.
والعرض المسرحي “العَود الأخير” هو نتاج ورشة الدراماتورجيا التي أقيمت بين 4 و27 تموز، وكان لها شقان، شق نظري وشق للتطبيقات العملية، وكانت أهم محاورها، التعريف بمفهوم الدراماتورجيا ومهامه، والتمييز بين دراماتورجيا المنصة ودراماتورجيا الإنتاج، ومن ثم التطرق إلى علاقة الكتابة المسرحية والإخراج بالدراماتورجيا.
على خشبة المسرح
ومن موقع العرض “مسرح القباني” تقول د.ميسون علي: إن العرض تم بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا، واتكأت فيه على نصين لصموئيل بيكت، وأنا لم أكتب النص، بل اعتمدت على الإعداد الدراماتورجي الذي شارك فيه عدد من دارسي المسرح ومن الهواة وبعض طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية” 15» مشاركاً.
وقد أجرينا نوعا من التقاطع أو المونتاج بين النصين وتقصينا القواسم المشتركة بينهما، وخصوصا الشخصيات التي تقول منولوجات طويلة والتي تقوم باسترجاع الماضي عبر الصوت ليكون هناك عودة إلى الحياة.
وبين بدورها أن مقولة النص تؤكد على ضرورة استرجاع الماضي لأنه لا حياة في الحاضر، وهو القاسم والتقاطع بين النصين.
وأوضحت بأن الزمان والمكان يتقلصا إلى حد الفراغ، والمسرح هو قطعة من فضاء حدودها واضحة، هي حدود الخشبة، وزمنا محدودا هو زمن العرض، والإنسان سجين هذه الحدود، يصبح جسدا يتلاشى ويتقلص إلى ضمير وذاكرة.
أما علاقة الإنسان بالماضي والحاضر، فالإنسان في حالة احتضار أو في النزع الأخير، وهو هنا يبدو كعبور يشبه القدوم إلى الحياة، ولعل الكلام يحاول إعادة الروح إلى الجسد، والإنسان يتقلص إلى حد الصوت الذي يحاول أن يعود إلى الحياة، باسترجاع الحياة الماضية، إذ لا حياة في الحاضر، فالأم في عمق الخشبة هي صوت الإبنة “مي» ترسم علامة8 في حركتها مع المنولوج، وهذه علامة التكرار واللانهائية، تخرج من دائرة لتدخل دائرة أخرى وهكذا.
كواليس
وفي الورشة المكثفة التي قام بها المشاركون، تقول د. علي: حاولت أثناء الورشة أن يكون هناك توازن بين من هو دارس للمسرح وبين من هو بحاجة أكبر للأدوات المسرحية، للوصول إلى النص الذي اخترناه، وتقديم كل مشارك قراءته ورؤيته الدراماتورجية للنصين، ثم عملت على توحيد الرؤية لاختيار الإعداد النهائي للنص الذي حمل عنوان “العود الأخير».
شارك في العرض بشار صالح، ربا الحسين، ياسمين الجباوي، أما الإعداد والإخراج فقد تميزت به الدكتورة ميسون علي، واللافت هذا الإقبال لحضور العرض وخصوصا من قبل طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية وبعض المهتمين بالشأن الثقافي والمسرحي، ما يؤكد دور المسرح وأهميته في العصر الحالي، والذي يحقق التفاعل المباشر بين الخشبة والجمهور، ويقدم قضايا تلامس الجمهور في همومهم وقضاياهم، ويكرس القيم التي نحتاجها في ظل هذا الانفتاح الفضائي الواسع.
ولا بد من التأكيد على مهارة الممثلين وامتلاكهم لأدواتهم الفنية والتعبيرية والثقافية لتقديم ما هو مقنع للجمهور الناقد الذكي الذي بات يغوص في أعماق النص ويحلل مفرداته ويكتب من جديد رؤيته الخاصة.
وربما طرح مفاهيم تخصصية جديدة في المسرح من مثل» الدراماتورجيا» يثير فضول المشاهدين للتعرف أكثر على الفنون والأنواع المسرحية الجديدة، والاطلاع على كيفية مسرحة الكتابة واختيار القواسم المشتركة بين نصين، لإيصال الرسالة المطلوبة والمقولة الفلسفية التي تحمل في طياتها نهجا جديدا للحياة.