الثورة – فاتن دعبول:
تناوله الكثيرون بالبحث والنقد والدراسة، وما يزال في جعبة الشاعر نزار قباني أسراره التي لم تسبر أغوارها بعد، وحاول الباحث د. محمد ياسر شرف في محاضرته التي أقيمت في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وحملت عنوان” لمسات في شعر نزار قباني” أن يتوقف عند بعض المحطات في حياة هذا الشاعر الإشكالي وأطلق على كل محطة تسمية” وجه، وكان لكل وجه عنوان.
وفي تقديمه بين د. إبراهيم زعرور رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب أن الشاعر نزار قباني كان شاعرا عروبيا وتقدميا، وقبل كل ذلك كان إنسانا، تناول في شعره قضايا الإنسان العربي وانتقد الأنظمة الرجعية، حتى أنه كان يكتب في شعره عن مجتمعه ويلامس هموم أبناء جلدته، لكنه ورغم ذلك عاش مظلوما ومات مظلوما، فقد زوّر جزءاً من تاريخه، ووصف بشاعر المرأة، وهل عيب أن يكون شاعر المرأة نصف المجتمع؟
وتحت عنوان” تعاطف” يقول الدكتور محمد ياسر شرف:
كان شاعرياً يحب أهل بيته، ويحب إنسانا يريد جعل حبه أنشودة العطاء، يريد جعل أمة كالقبلة السنية الضياء، لأنه تعلم النظام في بلاد أزمعت أن تغزو الفضاء.
وفي الوجه الثالث” عودة” عبر الباحث عن قدرة الشاعر قباني على صياغة القصيدة، فقال” قرأت شاعري، درسته، وجدته مؤجج الخيال، متواتر الوصال، مساحة الألوان في رؤاه عميقة، وممتدة، ويشف إحساسه عن تلمس مخضوضر الأبعاد، يصونه تذوق لشعلة الجمال، فهو شاعر مصور، يرسم الحياة ويعيد نبضة العروق إلى الحياة، ويتلمس التراث من ثمار العرب ويستلهم الحضارة ذات السحر، ويجني الأزهار كي تصدح الأشجار والأطيار.
– رؤية نقدية..
وانطلاقا من مقولة جان بول سارتر في كتابه” الأدب الملتزم” التي تقول” إن الناثر يملك اللغة، أما الشاعر فتملكه اللغة” يرى أن المشكلة الأهم التي يجب طرحها في تقويم الأعمال الإبداعية بالدرجة الأولى، ليست قضية اللغة والمكونات الفنية في صياغة الشعر، أو صنوف الأدب الأخرى كالقصة والرواية والمسرحية والمقالة، بل المرتكزات الفكرية التي يستمد منها المبدع ملامح عمله التأليفي، بما في ذلك المواقف الثقافية والأخلاقية.
ويرى أن الأثر الأدبي يحمل في طواياه دليل دراسته، ويمكن أن ينبىء بمكانته التي يستطيع شغلها بين نظرائه، انطلاقا مما يدخل في إطاره التعبيري وغاياته التوجهية وأفكاره المطروحة، وأن الاكتشافات المتتابعة لعلم النفس تظهر أن المكونات النفسية تترك طوابعها في الأثر الإبداعي بصور متعددة ومتفاوتة وبمقادير تكون أكبر بكثير مما تفعله المؤثرات المجتمعية المحيطة بالمبدع.
وأوضح بدوره أن تجربة نزار قباني تؤكد ضرورة طرح مناقشة دور الأدب في تكريس شعور المجتمع والتأثير به وتغيير بعض المفاهيم، عن طريق تكرار بعض تعابيره الأدبية ومواقفه وبعض المشترك من الأفكار وخاصة الرائجة في مجال” النقد الانتقائي” الذي ينسب الأخطاء والهفوات والإخفاقات إلى آخرين، غالبا ما يكونون هم أصحاب القرار أو المسؤولون في المناصب، ويؤدي هذا” بأنا الأديب وجمهوره” إلى الشعور بالراحة نتيجة التفريغ الانفعالي.
– صانع ماهر..
ويخلص الباحث إلى أن نزار قباني هو بالدرجة الأولى فنان مبدع وصانع للكلمة من الطراز الرفيع، يستخدم في كتاباته البعد الفني للغة، ويستخدم تقنياه الفنية بسلاسة واقتدار في تقديمه للمعلومة، معتمدا في ذلك على ثورته الانفعالية التي تقوده إلى تقديم ما هو متميز وفريد، ويكفيه أن تكون قصيدته قادرة على استثارة الشعور وتحمل في مضمونها قيمة عالية، لأن الأدب يحرض على توجيه السؤال، والفلسفة تصوغ هذا السؤال بشكله الصحيح والمنطقي، ليقوم العلم بالإجابة عن هذا السؤال.
هو شاعر مبدع وشخص إشكالي، استطاع أن يغوص في قضايا المجتمع كافة، سيبقى نزار ملهم الشعراء وجليس العشاق.