الثورة _ رنا بدري سلوم:
ثلاثة آلاف عام كفيلة أن تخلق أدباً بارعاً يبدعُ ديمومة حياة، من حكمة وفلسفة وعلوم وتاريخ وسياسة، بكتابة «مربّعة « ميزت الأدب الصينيّ العظيم، الذي يعد من أشهر وأعرق الآداب في العالم. ولعل من أفكاره الخلاّقة حثّ المجتمع على دخول ميادين الأدب والثقافة في ارتباط الخدمة الحكوميّة بالمهارات الأدبيّة، ولاسيما في بداية القرن العشرين، فقد كان الأفراد يتقلّدون وظائف حكوميّة بعد اجتيازهم لامتحان يختبر قدرتهم على نظم الشّعر وكتابة النثر.
لذا فإن معظم الكُتّاب في الفترة التي سبقت القرن العشرين كانوا موظفين حكوميين، لأن معظمهم قد عُيِّنوا في وظائفهم نظراً لمهارتهم الأدبيّة.
ومع هذا هناك من أخفق في هذا الاختبار، الشاعر «دو فو» وهو الآن من أشهر شعراء الصّين، حيث تفوّق على الشعراء في أسلوبه واختيار موضوعاته. وقد عبّر في بعض قصائده الأولى عن إحباطه لسقوطه في امتحان دخول الخدمة الحكومية، وألهمته الثورة الدمويّة التي نشبت بين عامي 755 و 757 كتابة قصائد يدين فيها الاستهتار الذي رآه أثناء الحرب. وفي قصائده الأخيرة أبرز استخداماً ذكياً للغة مُطَوّراً بذلك أسلوباً أثّر على الشعراء الصينيين لعدة قرون.
وبانتقالنا من الشعر إلى الفلسفة الصينية، نتساءل من منّا لم يقرأ «الكونفوشية» فلسفة أسسها كونفوشيوس الذي عاش في الفترة ما بين عامي 551 و 479 قبل الميلاد، وهو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يتضمن التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي، فلسفة قائمة على القيم الأخلاقية الشخصيّة وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى، ساد هذا المذهب في الصين حتى القرن العشرين، فلسفة شكّلت «كتاب الأغاني وكتاب الوثائق» بالإضافة إلى ثلاثة كتب أخرى ما يُعرف <الكلاسيكيات الخمس» التي تشكّل أساس الكونفوشية، وقد كان الكونفوشيون يعدّون هذه الكتب نموذجاً للامتياز الأدبي. كانوا يتلونها بوصفها أيضاً أعمالاً تضم الحكمة الأخلاقيّة، حيث كانت تؤكد على المثاليّات الكونفوشية في الواجب والاعتدال والسلوك القويم والخدمة العامة.
أما «البوذية أو الطاوية»، وهي إحدى الديانات والفلسفات المهمة، وكان البوذيون والطاويون أقل اهتماماً من الكونفوشيين بمسألتي الأخلاق والسياسة، بيد أنهم استخدموا الأدب ليعبّروا عن أفكار دينيّة وفلسفيّة.
تتشابه الطاويّة مع الكونفوشية في أن فيها كامل الانضباطات والسلوكيّات التي تحقق «الكمال» من خلال أن يندمج الفرد مع إيقاعات الكون غير المخطط لها والتي تسمّى «الطريق»، تختلف الأخلاق الطاويّة ضمن المدارس المختلفة داخلها، ولكن بشكل عام تميل إلى التأكيد على « العمل من دون نيّة أو غرض مسبق»، والطبيعية، والبساطة، والعفوية، بالإضافة للكنوز الثلاثة وهي الرحمة والتقشّف والتواضع.
كان الطاويّون يعتقدون أنه على الناس أن يتفادوا الالتزامات الاجتماعيّة ويعيشون حياة مبسّطة وأقرب إلى الطبيعة. وقد أثّرت هذه الأفكار كثيراً على الشعراء، حيث تغنّوا بجمال الطبيعة. ونتج عن الفلسفة الطاويّة رائعتان من الروائع الأدبية، الأولى: وهي كتاب» نموذج الطريق والفضيلة» كتبه « لاوزي»، مؤسس الطاويّة، أما الثاني: المعروف باسم «زوانجتزي» فينسب إلى الفيلسوف زوانجتزي.
بينما فن القصّة والمسرح في الصّين، فقد تطوّرا بوصفهما أشكالاً للأدب الصيني في القرن الثالث عشر، و المسرحيّات الصينيّة تشبه الأوبرا الأوروبيّة، حيث تجمع بين الغناء والرقص مع الحوار، وأكثر المسرحيّات الصينيّة شهرة هي» الغرفة الغربية» التي كتبها «وانج شيفو».