الملحق الثقافي- محمد خالد الخضر:
الإبداع بكل أشكاله وأجناسه هو انفعال وجداني يعكس تعامل المبدع مع الواقع، هذا عندما يكون الإبداع مرتكزاً على موهبة حقيقية، والجماليات التي ترافق المعنى هي معارف وثقافات يكتسبها المبدع من خلال اطلاعاته وتعامله مع المجتمعات بمختلف أنواعها فالشاعر عندما يذهب إلى قصيدته يحمل معه أثر الانفعال الذي أثر بإحساسه وأخلاقه وبالتالي عندما يكون الشاعر متأثراً بما أحاط به يعني أنه بشكل بديهي إذا احتاج الأمر إلى الدفاع عن تراب أو كرامة .. من المفترض أن يكون في المقدمة وإلا هذا الإبداع لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وغير ذلك هي محاولات من المفترض أن تكون فاشلة إلى تحويل الشعر عن مساره الحقيقي الذي يحتم عليه أن يكون مناضلاً ومقاوماً إذا تعرض الشاعر إلى أي أذى يمس كرامته.
وهذا ينطبق على القاص والروائي والفنان والباحث وغيرهم من المبدعين الذين يجب أن يصوروا الواقع إلى أبنائهم وإلى أجيالهم القادمة وهذا ما فعله غسان كنفاني الذي كان شوكةً أو سيفاً يهدد المحتل والمغتصب فأقدموا على اغتياله برغم أنه خارج فلسطين ومثله أيضاً كمال ناصر وغيرهما .. ولا يخفى على أحد الأثر الثقافي والوجداني الذي تركه الفنان التشكيلي بلوحاته التي كانت في مقدمة الرسم الكاريكاتوري وهو ناجي العلي الذي ساهم بقتله أدباء عرب ومنهم فلسطينيون وخونة دعماً إلى الكيان الصهيوني وبالتالي إن تراجع الإبداع عن المواجهة سببه تقدم الأشكال المشوهة التي تدعي الإبداع وهي مرسومة ومدسوسة من الكيان الصهيوني وداعميه لتأخذ مكان الإبداع الحقيقي الذي يشكل رعباً إلى المحتل والمتآمر والغاصب .. وكلنا يرى في الساحة الثقافية على مستوى الوطن العربي ولا سيما خلال ما يدور من مؤامرات نتيجة الربيع العربي المزيف أن هناك ما يسمى بالهايكو وهناك سجع بدلاً من الشعر وهناك تسميات بدأت تتسرب إلى الثقافة العربية مثل فانتازيا بدل من الإبداع وبيولوجيا وسيكيولوجيا وانتربولوجيا وغيرها من المصطلحات التي لا يمكن أن تترك أثراً في وجدان المتلقي الذي كان ينبهر أمام حالة إبداعية تعكس الواقع .. وهذا ما اعتدنا عليه منذ أن بدأ الأدب فعله في عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحديث مروراً بكل العصور التي وصلنا منها أدب حقيقي.
وهذا قول عنترة:
وسيفي كان في الهيجا طبيباً
يداوي رأس من يشكو الصداع
وهو يقصد عدوه في المعركة..
ولا يقل مستوى بيت الجواهري الذي قال فيه:
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت
سبائك الذهب الغالي فما احترقا
لذلك لا يمكن أن نعطي هوية انتمائية أو إبداعية لمن لا يكون مقاوماً ومواجهاً إذا نادته الأرض فمن الطبيعي أن يكون المبدع الحقيقي مواجهاً ومتطوعاً وغير متردد كما يفعل أو كما فعل كثيرون وهم الآن يعتبرون في المقدمة وهذه جريمة وطنية كبيرة.
العدد 1164 – 24-10-2023