الثورة – فاتن دعبول:
ضمن نشاطاته الثقافية واللغوية الدورية قدم مجمع اللغة العربية محاضرة حملت عنوان” نحو العربية من وجهة وصفية” للدكتور محمد عبدو فلفل في قاعة محاضرات مجمع اللغة العربية في دمشق.
قدم للمحاضرة الدكتور محمود السيد رئيس المجمع بطرح سؤال مهم” هل ضروري أن يتعلم الإنسان النحو حتى يتمكن من اللغة العربية”؟
وفي الإجابة بين بالقول أنه قديماً كان يقال، النحو يصلح من لسان الألحن، والمرء تكرمه إذا لم يلحن، والحقيقة أن ما يقّوم الألسن هو النحو، لأنه أجلّ العلوم، ولذلك نشأت عدة مدارس للنحو” الكوفة، البصرة، بغداد، الأندلس..” وكثرت التأويلات والاستثناءات ما أدى إلى صعوبة القواعد النحوية، والنفور منها، والكثير يشكو من صعوبته وتشعباته، فجرت محاولات لتيسير قواعد اللغة العربية، مثل محاولات” أبو جعفر النحات النحوي” في كتابه التفاحة في النحو، كما دعا الجاحظ في بعض رسائله لتيسير قواعد النحو، وغيرهم في العصر الحديث، ولكن أكثر محاولة شقت طريقها إلى المناهج التربوية على الصعيد العربي هي محاولة مفتشي اللغة العربية عام 1957 عندما اقترحوا العدول عن المصطلحات التي نستخدمها، والاكتفاء من الجملة بالمسند والمسند إليه، وهناك تكملة وأساليب.
الوجهة الوصفية
وبدأ د. محمد عبدو فلفل محاضرته” نحو العربية من وجهة وصفية” واقتصر في حديثه على هذا النوع من أنواع النحو” النحو الوصفي”
تناول في محاضرته إنجازاً حاول أن يطبق المنهج الوصفي عن اللغة العربية، ويضع نحواً للغة العربية بهدي من المنهج الوصفي، الذي يمكن تعريفه بأنه منهج نشأ في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين مع البروفيسور” سوسير” مؤسس هذا المنهج الذي تحول من المنهج التاريخي إلى المنهج الوصفي وحاول دراسة اللغة دراسة علمية بذاتها ولذاتها، وقام عمله على مجموعة من الأفكار أسست لتيارات متعددة منها المنهج الوصفي.
وقد حرص” سوسير” على أن يصف اللغة بنية شكلية بعيداً عن التعليل ما أمكن بغرض دراسة اللغة بذاتها ولذاتها، والنأي ما أمكن عن افتعال أشياء في اللغة ليست موجودة” أن نخرج من اللغة إلى القاعدة، وليس العكس”.
وبين د. فلفل أن هذا المنهج يسعى لدراسة اللغة كظاهرة بشرية وليس كظاهرة قومية، لكن وحسب رأيه أن تطبيق المنهج الوصفي لاستخراج نحو للعربية من قبيل وضع الشيء في غير مكانه.
لا يمكن أن يكون بديلاً
والمنهج الوصفي يدرس اللغة دراسة علمية لا يسعى إلى التقعيد بالمعنى التربوي للكلمة، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن نحو اللغات القومية. لكنه يجعلنا ندرس اللغة العربية بطريقة أقرب إلى الموضوعية، وأقرب إلى الدقة، وأبعد ما يكون عن الافتعال والتكلف وفرض أشياء على اللغة العربية ليست موجودة، وهذا ما تجلة في نحونا التقليدي المعياري.
اعتمد الدكتور محمد عبدو فلفل في بحثه المعنون” نحو العربية من وجهة وصفية” على ما جاء به محمد صلاح الدين مصطفى بكر في كتابيه” الوصفية في الدراسات العربية القديمة والحديثة، وكتاب النحو الوصفي من خلال القرآن الكريم. الذي يرى صاحبهما أن المنهج الوصفي هو مخلص للنحو العربي من مثالب اتباع المنهج المعيار التقليدي في وضع هذا النحو، وهو من أهم المناهج اللغوية الحديثة، لأنه حسب رأيه يخلص العلوم اللغوية من الوجهة التاريخية ومن الوجهة المعيارية، وهو في الآن نفسه محاولة لتجديد نحو العربية.
ولكن د. محمد عبدو فلفل يتوصل إلى نتائج مفادها أن بكراً كان ارتجالياً في تأصيل المنهج الوصفي الذي اعتمده في وضع قواعد النحو العربي، ولم يعتمد في ذلك على إحالات مرجعية محددة مكتفياً ببيان أن سوسير هو مؤسس هذا المنهج، وهو تأصيل قاصر.
كما تمثلت المنطلقات النظرية والأسس المنهجية للوصفية عند بكر بالوحدات الثلاث” الزمان، المكان، ووحدة الجنس اللغوي” والاقتصار على وصف النص وصفاً محكوماً بظاهرة بعيداً عن إخضاعه للتأويل أو التعليل أو الحكم عليه بالصواب أو الخطأ.
ويرى فلفل أن لدى بكر خلط منهجي أو صراع بين منهجين مختلفين، بل متناقضين في تصور بكر نفسه، وهما المنهج الوصفي والمنهج المعياري، وتفسير ذلك عند الرجل، الحرص على تحقيق أهداف باصطناع منهج، ليست هذه الأهداف من أولياته.
ويؤكد فلفل أن بكراً لم يقم نحوه الوصفي على إدراك منهجي وإجرائي لضرورة الفصل بين دراسة النحو لأغراض تعليمية، ودراسته لأغراض علمية، بل خلط بينهما، وذلك بسبب خلطه بين منهجين، أولوية أحدهما الأساسية تحقيق الهدف التعليمي، وهو المنهج المعياري، وثانيهما هو المنهج الوصفي وليس ذلك من أولوياته كما ظهر في التلقي العربي لهذا المنهج.