الروح والفكر وهوية الكاتب

الملحق الثقافي- حسين صقر:
في إحدى المسابقات الأدبية والتي كان شرط المشاركة فيها أن يقدم صاحب المادة عمله، دون أن يكون موقّعاً باسمه، تقدم الفائز من أحد أعضاء لجنة التحكيم وشكره على فوزه، وماكان من ذلك العضو أن قال له: لقد نجحت بجهودك، وليس عليك أن تشكرني، نعم أعرف هويتك بالكتابة، لكن علامتي وتقييمي لمادتك وحدهما لايكفي، إذا هناك زملاء آخرون معي في اللجنة، ولو كانت العلامة على الهوية فقط لما ضمنت نجاحك، بل أسلوبك يستحق.
بعد هذه القصة أدرك المتسابق أن هويته بالكتابة بالنسبة لأحد أعضاء اللجنة واضحة، لكن أسلوبه وطريقة معالجته للموضوع وأركان مادته التي اكتملت و تحققت فيها الشروط كاملة كانت سبب فوزه، وأيقن أن الهوية الشخصية هي التي تدل عليه وتعرف به، لكن أسلوبه في الكتابة هو ما يحدد هويته الكلامية والأدبية ويعطي فكرة عن عمله ومنتجه الأدبي.
وبالتالي ليس المكان أيضاً هو ما يحدد هويته في الكتابة، أو نوع العمل الأدبي، لكن بعد أن تكتب الروح ويملي العقل وتترجم الأنامل، تصبح بيئة الكاتب متنقلة من مكان لآخر ولا تبقى ثابتة وتتجلى الهوية بأبهى صورها، إذ هناك الكثير من الكتاب والأدباء العرب الذين أمضوا حيواتهم في بلاد الاغتراب لم تبرح هموم بلادهم ومعاناتها من مخيلتهم، واستمروا في الكتابة عن تلك المعاناة وهم في أماكن بعيدة، وحافظوا على هويتهم و صورهم في المادة الأدبية التي يخطونها.
على النقيض تماماً من الحفاظ على تلك الهوية، تصبح الأخيرة ملتبسة أو موضع تساؤل بالنسبة للكاتب الذي لا يكتب بلغته الأم أو يكتب بلغتين اللغة الأم ولغة البلد الذي أصبح مواطناً فيه، ويتجلّى هذا الالتباس في الطريقة التي يتمّ بها تعريف هؤلاء الكتّاب، عندما يفوزون بالجوائز الكبرى.
ولهذا أيضاً فاللغة التي كتب بها الكاتب كل أعماله، أو الجزء الأهم منها هي التي تحدّد هويّته، حيث أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير كما يقول بعضهم، وإنما هي أعمق من هذا بكثير، خاصة وأنه عندما تكتب بلغة ما يعني أن تدخل عالم هذه اللغة فكرياً وحسيّاً وعاطفياً وتاريخياً، كما أن اللغة ليست خاصة لدى المبدع بل هي نتيجة تراكم خبرات و كلمات مصطلحات، وشبكة معقدة من التصورات والانطباعات والرؤى والأفكار التي يترجمها بين الحين والآخر لتبدو هويته واضحة جلية.
فالكلمة حين ننطقها تحدد مستوى تفكيرنا وطريقتنا في التعامل، كما تعطي فكرة عن حياتنا وبيئتتا، ولاسيما إذا كانت نابعة من أعماقنا، وتعبر عن إحساسنا ومشاعرنا، ولذلك لا نغالي إذا قلنا: إن الكلمة التي تكتبها ربما تفتح أمامنا آفاق ودوائر لا متناهية من المعاني والدلالات.
فالأمر الذي يحسم تحديد أفكارنا وأحاسيسنا وانطباعاتنا وتصوراتنا للعالم هو هويتتا، و من هذا المنطلق فإن الكتاب العرب الذين يكتبون بالفرنسية والألمانية والإنكليزية غير أنهم مواطنون عرب، لكنهم ككتّاب هم فرنسيون وإنكليز وألمان.. والنصوص التي كتبوها تنتمي إلى هذه الآداب، لا إلى الأدب العربي حتى لو كانت مواضيعها مستوحاة من بلدانهم، لكنها بالنتيجة تحدد هوياتهم، وذلك بالطبع من حق أي كاتب أن يكتب باللغة التي يشاء، شرط أن يقدموا صورة جيدة عن بلدانهم، وعن العرب عموماً، مع الحفاظ على تلك الهويات.
                        

العدد 1166 –  7-11-2023     

آخر الأخبار
توزيع ألبسة شتوية على مهجري السويداء في جمرين وغصم بدرعا   زيارة مفاجئة واعتذار وزير الصحة..  هل يعيدان رسم مستقبل القطاع؟   5 آلاف سلة غذائية وزّعها "الهلال  الأحمر" في القنيطرة آليات لتسهيل حركة السياحة بين الأردن وسوريا دمج الضباط المنشقين.. كيف تترجم الحكومة خطاب المصالحة إلى سياسات فعلية؟  قمة المناخ بين رمزية الفرات والأمازون.. ريف دمشق من تطوير البنية الصحية إلى تأهيل المدارس   زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي     تحسن ملحوظ في سوق قطع غيار السيارات بعد التحرير  "إكثار البذار " : تأمين بذار قمح عالي الجودة استعداداً للموسم الزراعي  دمشق تعلن انطلاق "العصر السوري الجديد"   من رماد الحرب إلى الأمل الأخضر.. سوريا تعود إلى العالم من بوابة المناخ   الطفل العنيد.. كيف نواجه تحدياته ونخففها؟   الجمال.. من الذوق الطبيعي إلى الهوس الاصطناعي   "الطباخ الصغير" .. لتعزيز جودة الوقت مع الأطفال   المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب"