رشا سلوم:
تزدهر الرواية العربية تأليفاً ونشراً وتستعيد زخمها في الحضور الورقي الذي لم يغب أو يتوقف كما يتوهم البعض.. وتأتي الرواية في رأس قائمة المنشورات التي تقبل عليها دور النشر وكذلك إقبال القراء، ومن الدور الناشرة تتميز دار نشر الشنفرى للشاعر والناقد السوري هادي دانيال.
نقف اليوم عند إصدار روايتين عن هذه الدار. رواية حملت عنوان “خطأ مقصود”، فقد صَدرت عن الدار للناقد والروائي العراقي الدكتور ” محمد صابر عبيد”، بغلاف للفنان السوري “رامي شعبو”.
وتقع الرواية في 244 صفحة، قياس 21/15سم، وهي ثاني كتاب للدكتور محمد صابر عبيد يصدر عن دار الشنفرى للنشر في تونس، بعد كتابه النقدي “التشكيل السرد- درامي، مقاربة جمالية في روايات إنعام كجه جي”.
تحكي سيرة عائلة نزحت من إحدى قرى محافظة نينوى العراقية واسمها (زمّار) إلى مركز مدينة الموصل طلباً لحياة أفضل، وتمكّنت هذه العائلة من الاندماج بحياة المدينة على الرغم من الصعوبات التي واجهتها في علاقة المدينة بالريف، وصار أفراد العائلة المؤلّفة من الأب والأم والابنين عماد وسلام والبنت سمر تحقيق إنجازات مهمة في الموصل، وبلغت حياة العائلة مرحلة من السعادة والألفة كبيرة على أكثر من صعيد، حياتياً ومهنياً ودراسياً، بحيث أصبحت عائلة متميزة في كل شيء.
لم يطل الأمر كثيراً إذ في عام 2014 دخل تنظيم داعش الإرهابي إلى الموصل واحتلّ المدينة، وفرض إرهابه المقيت على أهل المدينة بطرق شتّى حوّلت هذه المدينة الجميلة وأهلها إلى أشباح بلا قيمة ولا مصير، وجرّاء ذلك فقد الأب حياته ولحقته الأم حزناً عليه، وتهشّم شمل العائلة السعيدة حين أحرقت البنت سمر الصيدلانية أحد قادة الدواعش من جنسية أجنبية الذي تزوجها عنوة، ومن دون أن تشعر وهي في زهو انتصارها عليه راحت هي أيضاً ضحية حين أخذها الحريق وماتت معه.
كان سلام الابن الأصغر قد غادر إلى الخارج مهاجراً بحثاً عن حياة أفضل في مغامرة غير محسوبة العواقب، بينما استطاع الابن الأكبر عماد أن ينقذ نفسه من مخالب داعش ويهرب إلى مدينة كركوك كي يكمل حياته هناك، وقد استطاع بما يمتلك من عزيمة وخبرة أن يبني له مصيراً جديداً في كركوك ويؤسس حياة محترمة، في حين أخفق سلام في هجرته بعد أن مرّ بظروف قاسية جداً على مستوى الحياة والزواج وغيرها.
يقرّر عماد بعد تحرير الموصل من قبضة داعش الإرهابي العودة إليها ليرى ماذا حلّ بأسرته بعد أن تركها وهاجر، ويتمكّن في النهاية من أن يلتقي بأخيه عماد في كركوك كي ينضمّ إليه في عمله ويستقرّ في حياة كريمة، يتزوّج ثم يعمل في عملية نسيان للماضي وبدء حياة جديدة لا بدّ منها في نهاية المطاف.
تدخل في الراوية شخصيّة فوزية الأمين موظفة في بريد مدينة بغداد تتسلّم رسائل سلام الأربعة التي أرسلها إلى أفراد عائلته، وبما أنّها لم تصل إليهم لأنّ الموصل محتلّة من داعش، فقد دفعها الفضول للاطلاع عليها وتزويد زوجها الروائي بها كي يحلّ مشكلته مع روايته الأخيرة بعد أن تعثّرت، ثم تندم وتحاول إرغام زوجها على حذف كل ما يتعلق بالرسائل من روايته دون جدوى لتنتهي علاقتهم بالطلاق.
أما المجموعة القصصية التي نقف عندها فقد صدرت أيضا حديثاً عن دار الشنفرى للنشر في تونس للقاص والمترجم والناقد والكاتب المسرحي الجزائري “جروه علاوه وهبي” بعنوان “هلوسات لا تُبهِج” بغلاف للفنان السوري “رامي شعبو”.
وقد ضمت المجموعة بعد الإهداء سبع قصص تستلهم واقع المجتمع الجزائري ماضياً وحاضراً (وخاصة في العشرية السوداء من القرن الماضي)، وذلك بمهارات تقنية لافتة في فن القصة القصيرة، وقد حملت القصص السبعة العناوين التالية: “مَن قَتَلَ مَسعود الأعور؟”، “لَيْلَة حُزَّتْ الرؤوس”، “غُربَتي في مدينتي”، “جوانب خفيّة من خيانة بوكوس ليوغرطة”، “لا يهمّ اسمي”، إلى جانب عنوان القصة الذي صار عنواناً للمجموعة “هَلْوَساتٌ لا تُبْهِج”.. وقد وقعت هذه القصص في 108صفحات، قياس 15/21سم،
ومن أجواء هذه المجموعة القصصية نقتطف هنا: “كأنّنِي بِه يُوَجِّهُ طَعناتٍ بِسِكِّينٍ حادّةٍ إلى صَدْرِ الشيخِ ممّا دَفَعَ جَماعَتَنا إلى إحْلالِ سَفْكِ دَمِهِ وَطَلَبِ رأسِهِ بأيِّ ثَمَن. كُنتُ الوسيطَ في ذلك، فأخبرْتُهُم بِمَواعيد عَمَلِه وخُرُوجِهِ مِن المُؤسَّسَةِ وبالطريق التي يسلكها في عَوْدته، وبِنَوْعِ سيّارتِه وَرَقمِها التّسَلْسُلِي، لكنّهم فاجَؤوني حِينَ طَلبُوا مِنّي أنْ أكونَ معهُم في الكَمِينِ الذي نَصَبُوهُ لَهُ، يَومَها كانَ عَلَيهِ أنْ يَتأخَّرَ في مقَرِّ الجريدةِ بانتظارِ أخبارِ نَشْرَةِ الساعةِ الثّامنةِ نَظَراً لما سَيُعْلَن فيها مِن قراراتٍ هامّة.
نَصَبْنا له كميناً في أحَدِ المُنعَرَجات، عندما أوقفْنا سيَارته تفاجأَ أنَّني مع الجماعة، لقد لاحظتُ ذلكَ ورأيتُ نَظْرَةَ استغْرابٍ وَخَوْفٍ في عَيْنَيه، حِينَ جَذَبْناهُ مِن السيّارة وَرَبَطْنا يَدَيه خَلْفَ ظَهْرِهِ التَفَتَ نَحوِي وَنَظَرَ إلي نظرةً كَثُرَتْ مَعانيها، نظرةً مازالت تُلاحِقُني، ولا أظنّ أنّني سأتخلّصُ مِنْها، حِينَ أمْسَكْتُ بِرأسِهِ، بَعْدَ وُصُولِنا إلى ضِفّةِ الوادي اجْتاحَنِي إحساسٌ غريبٌ وأنا أرى بُروزَ رَقْبَتِهِ ونُتُوءَ عُروقِها وقد جحظَتْ عيناه، ورأيتُهُ يُتَمتِمُ، فلم أشكّ في أنّه يُشَهِّد، في الأوّل لم أقْوَ على ذَبْحِه، وكانت يدي تَرتَعِدُ وهي تُمْسِكُ بالسكِّين، فَلِأَوِّل مَرَّة في حَياتي سأذبَحُ إنساناً، ورغم ما كان يعتريه مِن خَوْفٍ تَمَكَّنَ مِن أن يَبْصقَ في وجهي هذه العِبارة مُتحدِّياً مُحْتَقِراً “نَفِّذْ ما هَدَّدْتَ بِهِ “، كُنْتُ في وقْتٍ سابِقٍ قد هَدَّدْتُه إبّانَ خُروجِنا مِن اجتماعٍ مع المدير العامّ، بأنّه يَسْتَحِقُّ الذَّبْحَ مِن خَلْف.
كانَ حَدُّ السكِّين على رقبتِه وما عَليَّ سِوى أنْ أضغَطَ حتّى تتمزّقَ العُرُوقُ ويَنْبَجِسُ الدَّمُ حارَّاً”.
هذه السرديات القصصية والروائية تفضح العنف الموجه ضد المجتمعات، وتعرِّي ما يقوم به الإرهاب المدعوم غربياً.