ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لا تكفي كلمات الجنرال ديمبسي عن معرفته بهوية الحليف الأساسي الذي يمول داعش، للبناء على ما أوردته وتورده القرائن القادمة من المنطقة كل صباح عن دور حلفاء أميركا المعتمدين لمكافحة الإرهاب في التمويل والاحتضان والتدريب،
ولا تعني بأي حال من الأحوال أن تكون ملزمة للإدارة الأميركية في شيء، وهي التي أدارت وتدير شبكة العلاقات العامة للتنظيمات الإرهابية مع الدول الحاضنة لها.
لكنه قد يصلح للانطلاق في فرضية التسريب السياسي والخروج عن المألوف في مقاربات النقاش الأميركي حول داعش، التي تستفيد من الوقت المستقطع للتلاشي خلف أحبال من السرية والغياب القسري عن مداولات المشاهد اليومية المعتادة، وحالات الاستعراض التي تستفيض في الحديث عن امتداد المواجهة لعقد من الزمن في تقدير مبدئي قابل للتمديد، مع الترويج لاستراتيجية طويلة الأمد تبقي حاجة أميركا لحلفائها المعتمدين لسنوات قادمة.
لن نغوص في الافتراضات، لكن ثمة من يسأل بجدية: ماذا لو تبخر تنظيم داعش وجاءت الطائرات الأميركية لتجد أن كل ما تبحث عنه ليس أكثر من متحرك هلامي متبدل في بيداء سياسية تحتمل كل وجوه التهويل والتضخيم المتعمد، ليصبح البحث في السراب مهنة أميركية إضافية لعقد حروبها القادم الذي حددته مسبقاً؟!!
السؤال هنا لا يريد الاستفاضة في البحث عن إجابة افتراضية بقدر ما يحاكي وقائع يجري تداولها، وسط أنباء بدأت بالتدفق عن إحساس متزايد لدى الكثير من المهتمين بظواهر الحضور الداعشي على الأرض وفي الفضاء، بأن الافتراض يمتلك فرصاً واقعية من الحقيقة القادمة التي يجري التدريب الاستخباراتي الأميركي على ترويجها، بدءاً من اختفاء حضورها العلني في الكثير من المناطق، وتراجع تفاعلها ومشاركاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
فالتنظيم الذي نشأ من الفراغ وتوسع في فضاء الخراب والدمار في المنطقة، يصلح للغياب والتلاشي أيضاً في ذات الخراب والدمار، خصوصاً حين تتفرغ الإدارة الاميركية لإدارته وتحضير القواعد الناظمة له على قاعدة من المبالغة في الحشد الذي أعدته للتعمية على تفاصيل وجزئيات تنظيم العلاقة في حضوره وغيابه.
والواضح ان التحرك الغربي لا يستبعد من حساباته ذلك الاحتمال، بدليل أن التهويل في رسم مساحات المواجهة مع داعش يبدو ذا مواصفات هلامية، تتطابق مع هلامية التنظيم وجذوره الغامضة في النشوء والتمدد والعوامل الأكثر ضبابية الحاملة لوصوله إلى قمة الهرم الإرهابي، وتحوله بين ليلة وضحاها إلى أكبر تنظيم، وإشغاله الرأي العام على امتداد المنطقة وخارجها، ودخلت «البروباغندا» الغربية في تجارة الترويج والتسويق لمخاطره الحالية والمستقبلية، لتضيف إلى الهلامية المزيد من عوامل الاشتقاق.
وبالقدر ذاته، تبدو المراهنات الغربية قائمة على الفرضية ذاتها، التي تريد الاستثمار في الإرهاب وقواعده وتنظيماته، وتحولت في سياق التداعيات المرافقة إلى معبدة للطريق أمام عودة الاستعمار القديم والجديد وما بينهما وعلى الملأ، حيث تستفيق تلك الأطماع فتدفع بالفرنسي إلى لعق الفتات الأميركي وبالسعودي والقطري والتركي إلى تصدر لوائح التفهم لتداعيات السلوك الأميركي في إدارة الخلافات والاختلافات داخل صفوف المحتشدين، وإلى تمهيد الطريق وفتح البوابات والمنافذ لدخول الاستعمار بألوان الطيف المعتمدة وغير المعتمدة.
الأميركيون لا يبدون أي تبرّم من الفكرة وقد اعتادوا على رسم احتمالات افتراضية تحاكي تلك الخيارات، وهو ما يقدم تفسيراً منطقياً للتباطؤ المتعمد والغموض في تاريخ التنفيذ وتوقيت الانطلاق، بعد أن استغرقوا وقتاً إضافياً في تحشيد المزيد من الأطراف التي تتفشى بينها الخلافات كلما طال الوقت.
على المقلب الأوروبي، يبدو الأمر متبايناً بين طرف وآخر، حيث الفرنسيون المندفعون إلى الحدود القصوى في تبني الخيارات تلك يصطدمون بالحائط المسدود كما هي العادة، فيما بريطانيا المترددة وألمانيا التي نأت بنفسها في موقع أقل سوءاً وإن بقيت الهواجس من الارتدادات أمراً قائماً ومحتملاً.
وحدها مشيخات الخليج تجد نفسها في مأزق الافتراض ذاته، بحكم أن داعش والتهويل القائم قد أحيا أمالها وطموحاتها الوظيفية لعشر سنوات قادمة على الأقل، وأي تعديل او تغيير من هذا النوع الدراماتيكي قد يؤدي إلى انقلاب في الطاولة مع ما يمليه افتراضياً أيضاً من تغيير في الإحداثيات وتبدل في الخرائط بنسخها المتعددة التي تجتاحها تعديلات متكررة ومتتالية وعلى أنساق مختلفة، والخيار حين تختفي داعش لا بديل من البحث عن دواعش أخرى، فالنصرة والجبهة الإسلامية وبقية المشتقات والأخوات نسخ حاضرة للتحول والتبدل والترويج، والخلاف الوحيد أيهما الأسبق، وقد يكون أيهما الأجدى أو الأكثر نفعاً.
a.ka667@yahoo.com