الثورة – دمشق – غصون سليمان:
يتركون غصة في القلب وهم يتربعون على عرش العاطفة والحنان، يملؤون الكون دفئاً ويمنحون الروح وجبات الاطمئنان التي لا تنضب، كيف لا.. وهم الأقدر على فهم الأبناء والأدرى بتفاصيل مزاجهم وقناعاتهم.
إنهم الآباء والأمهات الذين أفنوا سنوات حياتهم يزرعون الخير والعطاء في بنيان أسرهم ليروهم في المستقبل كالأشجار المثمرة تطعم وتفيء بظلها.
في احتفالية “إطلاق الاستراتيجية الوطنية لرعاية المسنين” لا أظن أحداً من الحضور لم تذرف دموعه في الحديث عن هذه الشريحة الوقورة، ومعظمهم من فقد أما أو أبا، غادروا إلى دنيا الحق، والكثير من المشاركين تجاوزوا عتبة الخمسين والستين، لكن الأكثر إيلاماُ للروح هو أن يترك هؤلاء الكبار لوحدهم لظروف قاهرة مختلفة. الدكتورة ربا ميرزا- عضو مجلس الشعب وعضو الهيئة السورية لشؤون الاسرة والسكان ومديرة صندوق التعاضد الاجتماعي، وضعت يدها على عمق الجرح حين ذكرت بأن ترك المسن لوحده في المنزل أو البلد وغياب الأولاد والأبناء عنه هو جزء من الألم في قلب المسن، مهما قدمنا له من الرعاية والاهتمام من دون نكران الأهمية البالغة للاستراتيجية الوطنية لرعاية المسنين، لأنه لدينا عدد كبير من المسنين الذين فقدوا الشباب وأولادهم وأزواجهم وزوجاتهم والأسرة بشكل عام.
وأشارت إلى أن تطبيقها صعب إلى حد ما، حسب وجهة نظرها، بمعنى أنها تحتاج إلى ثقافة وتربية لدى الصغار في العمر منذ نشأتهم، كي يقدروا ويعرفوا أهمية رعاية أهلهم وآبائهم وأمهاتهم وتربيتهم لهم، وكم عانوا وتحملوا من أجل إيصالهم إلى بر الأمان، فيما يحتاج المسن أيضا لهذه الثقافة من ناحية أن الحياة هكذا تمضي.
وبالتالي فإن وجود أماكن كي يقضوا فيها نوعاً من الشيخوخة، كالنوادي ودور الرعاية التي تحفظ لهؤلاء كبرتهم، شيء مقدر في بلدنا مع التأكيد على أن تكون أساليب رعايتهم وتسليتهم فيها الكثير من العطاء والأهمية لمكانتهم.
ومع غصة في الحلق ذكرت عضو الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان أن والدتها كانت سيدة فاعلة بالمجتمع، أسست عدداً كبيراً من الجمعيات وبقيت تعمل حتى آخر رمق، لكن في آخر سنة من العمر لم تعد تستطع القيام بمهامها التي اعتادت على إنجازها، بعدما ضعف الجسد وفقدت عدداً كبيراً من صديقاتها، وبالتالي شعرت أن النهاية اقتربت، وهنا كان موضع الألم الذي لا يمكن علاجه عبر استراتيجية فقط.