الثورة – يمن سليمان عباس:
لا قيود أمام الخيال المبدع أبداً، يذهب بنا إلى مواضع ومواقع، ويخلق عوالم لم نكن نتوقعها أو لا نجرؤ على التفكير بها.
بعض الدارسين يرون أن “ألف ليلة وليلة” هي من هذا اللون، بينما يرى آخرون أن الفانتازيا هي الخيال العلمي ويقدمون أمثلة كثيرة على ذلك.
يعود النقد الأدبي اليوم إلى الحديث عن هذا اللون من الخيال والإبداع، وحسب المعرفة، فإن عدداً من النقاد يرون أن الفانتازيا جنس أدبي حديث مستقل تطور في النصف الثاني من القرن العشرين، وحقق انتشاراً واسعاً في الأدب والسينما، ويتقاطع مع أجناس أدبية أخرى، مثل الملحمة والميثولوجيا والخيال العلمي وكتابات الرعب، لكنه مستقل عنها.
تتلخص الصفات المميزة للفانتازيا في إدراج العناصر الخيالية داخل إطار متماسك ذاتياً (متناسق بالداخل)، حيث يظل الإلهام النابع من الأساطير والفولكلور فكرة أساسية منسقة بداخل هذا الشكل، يمكن تحديد أي مكان لعنصر الخيال: فقد يكون مُخبأ، أو قد يتسرب إلى ما قد يبدو إطاراً لعالم حقيقي، كما يمكن أن ترسم الشخصيات في عالم باستخدام هذه العناصر، أو قد تتواجد كاملة في إطار لعالم خيالي، حيث تكون هذه العناصر جزءاً من هذا العالم.
وغالباً ما تتسم الفانتازيا الفرنسية، بدءاً من القصص التي اختارها جون دابليو كامبل الابن لتُنشر في مجلة أن نون، بالمنطقية الداخلية، أي أن أحداث القصة من المستحيل أن تتحقق، إلا أنها تتبع “قوانين” السحر، ولها إطار مُنسق داخلياً.
تعود تشعبات كثيرة للفانتازيا- من حيث أنها جنس أدبي- إلى عصر الميثولوجيا السومرية، والمصرية القديمة، ولعل أقدم الأعمال التي تدخل في عالم الفانتازيا “ملحمة جلجامش” التي ترجع إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتليها الملحمة البابلية “إنوما إليش” أي «عندما تحلق عالياً» التي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، واكتُشفت في مدينة نينوى في العراق.
أما في العصور الكلاسيكية فتأتي الميثولوجيا الإغريقية والرومانية والإتروسكية والجرمانية في إطار عالم الفانتازيا، وتزخر أعمال هوميروس بقصص وشخصيات خيالية، فقد كان الإغريق يؤمنون بعنصر الفانتازيا من دون كبير اهتمام بواقعية الأحداث ومعقوليتها، وكأنهم يدخلون هذا العالم الوهمي بإرادتهم الكاملة كما يفعل مشاهدو المسرح في أثناء العرض المسرحي.
ويبقى مدى انتماء الأدب الكلاسيكي كأعمال هوميروس وفرجيل ولقيانس السميساطي (نسبة إلى سميساط على الفرات الأعلى) إلى الفانتازيا- من حيث أنها جنس أدبي بمفهومها الحديث- مثار جدل لدى النقاد، مع أن هذه الأعمال- إضافة إلى الحكايات الشرقية مثل ألف ليلة وليلة وأعمال من نوع الساگا في الآداب الجرمانية- قد شكلت مصدر إلهام لكتاب الفانتازيا الحديثين.
ومن آخر الكتب المهمة التي صدرت حديثاً، وتناقش هذا اللون، كتاب “أدب الفانتازيا” الذي صدر عن دار التكوين بدمشق، وهو من تأليف هبة حمدان إذ ترى أنه لطالما تلاعبت الفانتازيا بالواقع من حيث أنها تماهي بين الفريد وتمزيق الهوية، فهي التردد الذي يحسه كائن لا يعرف غير قوانين الطبيعة، معتمدة على الخيال المتناسق بذاته والمركب ضمن قوالب متماسكة ومحفز بتفاصيل خارقة للطبيعة.
فالفانتازي هو ذلك المجرد عن كل ما هو واقعي ومنطقي ويمكن حدوثه بتفاصيل مألوفة منسجمة مع الواقع ومتقبل من قبل العقل، وهو ما نجنح به لذروة الخيال وأعلى مستوى من مستوياته اللامتناهية، وكما قال مارك تشادبورن: كلما أصبح العالم أكثر عقلانية، جنحنا إلى اللامعقول في خيالنا.
كتاب: أدب الفانتازيا
تأليف : هبة حمدان
إصدارات دار التكوين 2023