ديب علي حسن
ثمة حقيقة يجب الجهر بها، وهي أنه كلما كثرت وسائل الإعلام بكل ألوانها غابت المصداقية وضاعت، فعلى سبيل المثال قبيل عصر البث الفضائي كان المتابع يستمع إلى بضع محطّات إذاعية بعضها في وطنه وقسم آخر من وراء الحدود، وكم هو مؤلم أن نستذكر أن المواطن كان ينتظر نشرة أخبار لندن أو مونت كارلو ليعرف ما يجري في وطنه، بغض النظر عن كذب هذه المحطّات.
ومع انتشار البث الفضائي ازدادت الخيارات وسقط المتابع في بوتقة الانبهار من حيث الصورة والسرعة والقدرة على التضليل والتمويه .
وكلما زادت وسائل الإعلام انتشاراً واتساعاً، وكان ذلك مع الفضاء الأزرق، أصبح الضياع والشتات هوية الجميع .
إذ غدا كلّ صاحب صفحة أو موقع إعلامياً، حسب فهمه وميوله وغدا المتابع أمام ملايين الروايات والاحتمالات ..
هذا الواقع يناقشه الدكتور صباح ياسين في دراسة مهمة صدرت بكتاب تحت عنوان : «الإعلام حرية في انهيار»، وتحت عنوان «القطيع الإلكتروني» يقول : يعيد السجل الفكري بين دعاة إطلاق الحريات كاملة للأفكار والإبداع وبين المحذرين من حالة الفوضى التي ستسود العالم حيث تغيب القيم والمبادىء، ذلك الجدل الذي ساد في عصر النهضة وحملة التنوير وأثمر عن حقب انتقالية نحو الحداثة، ويعرض المتشائمون الحالة الكارثية التي خلفها إعصار وسائل الاتصال على المجتمع المدني، إنهم ينظرون إلى المجتمعات الراهنة وهي تسحق تحت ضغط الفوضى السياسية والاضطرابات الاقتصادية ثم الهيمنة المطلقة لوسائل الإعلام، وكما يقول أمين معلوف: (إن قوة الأبواق الناطقة تؤدي إلى هيمنة الرأي السائد في حينه بحيث لا يبقى صدى لأي رأي مغاير فالحقيقة أن تدفق الصور والكلمات لا يترك دائماً مجالاً للروح النقدية).
الهيمنة..
نحن أمام طوفان إعلامي.. نعم هذا صحيح وكما قلنا: غدا كلّ منا يظن نفسه إعلامياً ولكن هل هذا صحيح..هل يملك حرية قراره هل هو خارج بوتقة القطيع الموجه .
يرى الدكتور ياسين.. والخوف ليس من تلك (الأبواق) التي تتكاثر وتتنوع وسائلها في المحيط الإنساني بل الهيمنة عليها وتعبير آخر أن نظام الاتصال الراهن الذي يتكاثر في حدود شبكة غير نهائية من القدرات الفائقة على تلبية الحاجات والاستجابة للمتطلبات ذلك النظام أضحى غارقاً في فوضى يصعب السيطرة عليها وتلك الفوضى أضحت ذات ثقافة خاصة بها وتعمل على الدفاع عنها ضد كلّ الآراء والمواقف التي تناقض توجهاتها.
وشكل ذلك التماهي المتسارع لإمكانات التواصل عبر ما تقدّمه التكنولوجيا من إنجازات مستمرة في تسريع وتنوع التواصل الالكتروني هاجساً لدى الكثير من المفكرين الذين ينظرون لتلك الفورة باعتبارها قوة سالبة لإرادة المجتمعات والإنسان معاً..
ويشبه الكاتب توماس فريدمان في كتابه السيارة ليكساس وشجرة الزيتون: محاولة لفهم العولمة-المجتمع الإنساني- اليوم باعتباره قطيعاً إلكترونياً يرتبط بعلاقات ثابتة عبر (الكيبل) وبترددات الومضة الكهربائية وأن كلّ ذلك قد خلق فقط احساساً زائفاً بالاتصال والحميمية، وكلّ تلك التكنولوجيا قد أدت إلى تنميط حياتنا، إذ إننا بدل أن نؤسس علاقات ومجتمعات متكافئة وحيوية التفاعل فإننا وعلى سطح تلك المنظومة التواصلية قد بنينا جزراً معزولة تحكمها علائق مضطربة ويسيطرعليها الخوف من المستقبل.
ولكن – هل يمكن أن يحيط (الكبل الاجتماعي) بالمجتمعات فيصنع منها حزمة واحدة نمطية متشابهة؟
– وهل يؤسس التسارع التواصلي شكلاً جديداً من المجتمعات الإنسانية؟
حقيقة نحن في عصر انهيار الحريات الإعلامية والهيمنة عليها من قبل من يدير منشآتها ومنصاتها الإلكترونية هذا ما تثبته الوقائع اليومية وما يقوم به الإعلام الغربي من تضليل ولاسيما في متابعة العدوان الصهيوني على غزة ويعمل بكلّ طاقة أبواقه لتشويه الحقيقة وعدم نقل ولو جزءاً يسيراً من وقائع العدوان على الأرض.
