الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
مهّد الزعماء الدوليون الذين اصطفوا للتعهد بدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد العدوان الوحشي على غزة منذ 7 تشرين الأول 2023، الطريق لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تلت ذلك.
والآن، فإن تعليق التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يكمل الإبادة الجماعية التي يرتكبها نتنياهو من خلال تفاقم المجاعة التي تلوح في الأفق من صنع” إسرائيل” والمصاعب التي يواجهها 2.3 مليون مدني.
تم إنشاء الأونروا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1950 لتزويد اللاجئين الفلسطينيين بالخدمات الإنسانية بما في ذلك المدارس والعيادات الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى. وإن التجميد المتسرع للمساعدات المالية من قبل الولايات المتحدة والدول المانحة الأخرى دون إجراء تحقيقات مستقلة أولاً في صحة الادعاءات الإسرائيلية ضد موظفي الأونروا هو أمر عقائدي يزيد من الحصار الإسرائيلي ويعمق معاناة المدنيين في غزة.
وقالت سكاي نيوز، التي اطلعت على الملف الإسرائيلي حول “الأدلة” المزعومة ضد موظفي الأونروا، إنها ” لم تر دليلاً على ذلك، والعديد من الإدعاءات حتى لو كانت صحيحة، لا تورط الأونروا بشكل مباشر”.
ومن ناحية أخرى، فإن القرار غير الحكيم بوقف تمويل أكبر وأقدم وكالة تابعة للأمم المتحدة تخدم الفلسطينيين من المرجح أن يؤدي إلى سوء تغذية الأطفال الصغار. كما أن هذا القرار سيعوق قدرة الأونروا على تقديم المساعدة الإنسانية الحاسمة لمليوني مدني نازح، بما في ذلك 17.000 طفل ليس لديهم عائلات أو منفصلين عن أسرهم نتيجة للمذابح الإسرائيلية في غزة.
وبعد وقوع كل هذا الضرر، تكون المطالبات الإسرائيلية ضد بعض موظفي الأونروا إما مبالغ فيها أو لا أساس لها من الصحة. ولن يكون الأمر مختلفاً عن المعلومات المضللة الإسرائيلية المفضوحة بشأن الأطفال مقطوعي الرأس والاغتصاب والعنف الجنسي وتشويه النساء التي نشرتها صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية في أحداث 7 تشرين الأول الماضي .
ومع ذلك، مباشرة بعد أن أثارت “إسرائيل” ادعاءات، لم يتم التحقق منها بعد، ضد عدد قليل للغاية من موظفي الأونروا، استبقت كندا وغيرها من الجهات المانحة أي تحقيق وجمدت التمويل لمنظمة تقدم حالياً مساعدات إنسانية حيوية للسكان الذين يعانون من الحصار والقصف المتواصل.
ومن خلال الإيقاف الفوري لتمويل الأونروا، فإن الجهات المانحة الغربية تنغمس في الغطرسة الإسرائيلية وهوسها السخيف بتشويه الدور الحيوي الذي تلعبه الأونروا في منع المجاعة لـ 2.3 مليون إنسان.
لدرجة أن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت يساوي شريان الحياة الإنساني للأونروا في غزة بالحرب ضد “إسرائيل”. وفي إشارة إلى خطابه بشأن الأهداف العسكرية الإسرائيلية في غزة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: “إن مهمة الأونروا يجب أن تنتهي”.
ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن الجهود الإسرائيلية لتقويض الأونروا ليست تطوراً حديثاً وليست بالضرورة مرتبطة بالحرب الحالية على غزة. فقد قامت “إسرائيل” لسنوات بالضغط على نشاط الإدارات الأمريكية المختلفة لوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة. وفي عام 2017، بعد لقاء مع السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، قال نتنياهو للصحفيين: ” لقد حان الوقت لتفكيك الأونروا…”.
وفي عام 2018، نجحت “إسرائيل” عندما استجاب ترامب لطلب نتنياهو وقطع المساعدات الأمريكية للأونروا والسلطة الفلسطينية بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية اقتراح ترامب/كوشنر “صفقة القرن”. وقد ألغت إدارة جو بايدن وقف التمويل، ومع ذلك، فإن إفلاس الأونروا يظل الأمل الأخير لإسرائيل لتحويل اللاجئين الفلسطينيين، “إلى … منبوذين اجتماعياً”.
لا يمكن إنكار أن الأونروا قامت بتزويد اللاجئين الفلسطينيين بالمساعدات الإنسانية الأساسية لمساعدتهم على تحمل الحياة في مخيمات اللاجئين البائسة. وهذا ليس مجرد تحليل أكاديمي، وأود أن أؤكد على التأثير الكبير الذي قد يحدثه وقف تمويل الأونروا على الأطفال الذين يكبرون في ظل ظروف مماثلة.
تعد المخيمات من بين المناطق الأكثر كثافة سكانية على كوكبنا. وفي المخيم، حيث يتجاوز عدد السكان 30 ألف نسمة يعيشون في أقل من 0.2 ميل مربع، فإن غياب تمويل الأونروا يعني أن الأطفال لن يحصلوا على التطعيمات ضد الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتهاب الكبد والسل وشلل الأطفال وغيرها.
لولا الأونروا، لم يكن لآلاف الأطفال اللاجئين الفلسطينيين، أن تتاح لهم الفرصة للالتحاق بالمدارس، لقد كان الدور الإنساني للأونروا فعالاً في تشكيل مستقبل عدد لا يحصى من الأفراد الذين يعيشون في ظل ظروف صعبة للغاية.
ولعل هذا هو على وجه التحديد السبب وراء رغبة القادة الإسرائيليين “إنهاء مهمة الأونروا”. على مدى السنوات الـ 73 الماضية، فقد لعبت مدارس الأونروا دوراً حاسماً في تعليم عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين، مما ساهم في ظهور واحدة من أكثر المجموعات تعليماً في الشرق الأوسط .
لقد مكنت المساعدات التي قدمتها الأونروا لمخيمات اللاجئين من انتشال ذرية من ذوي التعليم العالي من شقوق الكارثة، وبالتالي إحباط رغبة “إسرائيل” في تحويل الفلسطينيين إلى “حطام بشري”.
المصدر – غلوبال ريسيرش