“الاغتراب في زمن العولمة”

الاغتراب هو حالة بات يعيشها كثير من الأفراد في مجتمعاتنا المعاصرة اليوم شرقاً وغرباً نتيجة ضوائق اقتصادية، واجتماعية، ولأسباب مختلفة تتوزع على قارات الأرض. وفي هذه الحال يتسرب إلى النفس شعور البعد، والانفصال عن الوطن الأم، والذي يتجلى بالحنين إلى أصل المكان الذي نشأ فيه المرء، وعاش منتمياً إليه، وإلى تلك الروابط، والعلاقات التي كانت تجمعه بثقافته الأولى، وتراثه.

تحديات أخرى تبرز في مسيرة الابتعاد هذا عن الانتماء، والارتباط بالأرض ألا وهي تلك الاجتماعية، والثقافية، واللغوية والمتعلقة بالاندماج في بيئة مختلفة، وضرورة التأقلم مع أنماط الحياة فيها، وبناء هوية جديدة.. فإما أن تسير الأمور في مسار الاستمرار، وإما أن تكون العودة التي لا رجوع عنها، فصعوبة الاغتراب تختلف من فرد لآخر حسب قدراته، وإمكاناته، وقد تنعكس أحياناً عجزاً، واغتراباً عن النفس.

إلا أن العولمة وهي من أهم الظواهر التي شهدها العالم في عقوده الأخيرة قد فعلت فعلها في تحول مفهوم الاغتراب، فلم يعد هناك من مكان ضيق في هذا العالم بعد اتصال جهات الأرض الأربع ببعضها بعضاً، وكذلك ما قدمته التكنولوجيا من فوائد كبيرة في الاتصال، والتواصل لتردم بالتالي تلك الهوة الحضارية بين الثقافات.

ويمكننا القول إن العولمة، ووسائل التواصل التي رافقتها قد أحدثا تحولاً جذرياً في العلاقات الاجتماعية عندما تقلصت المسافات، وتوسعت الفرص للتواصل البشري، وبالتالي لم تعد المعاناة من الاغتراب كما كانت عليه في سابق عهودها، حيث يمكن لكل فرد الآن الشعور بالانتماء والتواصل مع العالم بشكل أكبر وأعمق. ومع ذلك لابد من أن نتعامل مع التحديات الجديدة التي تنشأ، وأن نسعى لتحقيق التوازن بين العالم الافتراضي والآخر الحقيقي للحفاظ على الصحة النفسية من حيث التواصل الشخصي والتجربة الواقعية.

بفضل التقدم التكنولوجي، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المعرفة كما المعلومات متاحة بشكل واسع، والوصول إليها سهل إذ يمكن للأفراد الآن التواصل مع ثقافات، وأفكار، وآراء مختلفة من جميع أنحاء العالم عبر مجتمعات افتراضية تسمح بإنشاء صداقات وعلاقات عابرة للحدود الجغرافية، وبين أشخاص من خلفيات مختلفة على جميع الصعد.

هذا التوسع في المعرفة، والتعرض للتنوع الثقافي حيث تتاح فرصة التواصل مع الآخرين للتعلم من تجاربهم، وفهم أنماط التفكير لديهم، إنما يساعد على التحرر من شعور الاغتراب الاجتماعي، والعزلة، ويمنح فرصة للاندماج في مجتمعات عالمية تتميز بتنوعها. فبينما كانت الحواجز الزمانية والمكانية في الماضي تعتبر عوائق رئيسية أمام التواصل البشري فإن التكنولوجيا الحديثة تجاوزت تلك العقبات لتهزم المسافات، ومعها شعور الاغتراب الذي قد ينشأ عن البعد الجغرافي وقيوده بين الأفراد فيجعلهم أكثر قرباً من بعضهم بعضاً.

ورغم كل هذا لا بد أن نعترف أن من بين ثنايا العولمة يطل شبح الاغتراب الحقيقي ليخيّم على مشاعرنا، وأفكارنا، تاركاً ندوباً عميقة في هويتنا. عالم يضيق، بينما اتساع رقمي يسيطر، فينتهِ بين ثقافاتٍ متشابهة، وفقدانٍ للهوية، وانسلاخٍ من الجذور.. وفي غمرة تواصل افتراضي نهمل علاقاتٍ حقيقية، ونصبح أرقاماً في عالمٍ يموج باللامبالاة.. واللغة تفقد بريقها، ونتحول إلى عبيدٍ للترجمة، فنفقد أصالتنا اللغوية، ونغدو غرباء عن لغتنا الأم.. وعندما تمحى الذاكرة نصبح مجرد حكاياتٍ على شاشاتٍ متوهجة، وننسى حكايات أجدادنا، ونختفي في متاهات التاريخ.. من بين ثنايا العولمة مازلنا نبحث عن أنفسنا، ونسعى لفهم مشاعرنا، ونحاول إعادة تعريف هويتنا.

آخر الأخبار
وزير الطوارئ يبحث مع وزير الخارجية البريطاني سبل مكافحة حرائق الغابات تحية لأبطال خطوط النار.. رجال الإطفاء يصنعون المعجزات في مواجهة حرائق اللاذقية غابات الساحل تحترق... نار تلتهم الشجر والحجر والدفاع المدني يبذل جهوداً كبيرة "نَفَس" تنطلق من تحت الرماد.. استجابة عاجلة لحرائق الساحل السوري أردوغان: وحدة سوريا أولوية لتركيا.. ورفع العقوبات يفتح أبواب التنمية والتعاون مفتي لبنان في دمشق.. انفتاح يؤسس لعلاقة جديدة بين بيروت ودمشق بريطانيا تُطلق مرحلة جديدة في العلاقات مع دمشق وتعلن عن دعم إنساني إضافي معلمو إدلب يحتجون و" التربية"  تطمئن وتؤكد استمرار صرف رواتبهم بالدولار دخل ونفقات الأسرة بمسح وطني شامل  حركة نشطة يشهدها مركز حدود نصيب زراعة الموز في طرطوس بين التحديات ومنافسة المستورد... فهل تستمر؟ النحاس لـ"الثورة": الهوية البصرية تعكس تطلعات السوريين برسم وطن الحرية  الجفاف والاحتلال الإسرائيلي يهددان الزراعة في جنوب سوريا أطفال مشردون ومدمنون وحوامل.. ظواهر صادمة في الشارع تهدّد أطفال سوريا صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار