الثورة – رشا سلوم:
تمر هذه الأيام، وتحديداً في العاشر من نيسان ذكرى اغتيال الشاعر والمبدع العربي الكبير كمال ناصر.
الشاعر الذي نذر نفسه للنضال من أجل فلسطين وكان مع غسان كنفاني جناحي الكلمة الطلقة التي أرقت العدو وقضت مضاجع العدو وأوقدت نار الثقافة المقاومة.
محطات
وُلد كمال بطرس إبراهيم يعقوب ناصر في مدينة غزة سنة 1924، وترعرع في بلدة بيرزيت. درس كمال ناصر في الجامعة الأمريكية. وتخرج منها في بيروت بإجازة العلوم السياسية عام 1945. شجعته أمه، السيدة وديعة ناصر، وهي مثقفة بدورها وتجيد الإنكليزية، على دراسة المحاماة.إلا أن طبيعته لم تحتمل قضاء سنوات إضافية في كنف الجامعة، ولكنه اشتغل في حقل التعليم فترة من عمره، فقام بتدريس اللغة الإنكليزية مع أنه لم يجد نفسه إلا في الصحافة ليعبر عن أفكاره السياسية ويلبي بعض طموحه الثقافي، ولم يلبث أن تعاون مع هشام النشاشيبي وعصام حماد على إصدار صحيفة «الجيل الجديد» عام 1949 في القدس، وكأن نيسان الذي ولد واستشهد فيه على موعد دائم معه، فقد صدرت هذه الجريدة في الرابع من الشهر الرابع الربيعي،. وفي العام التالي وجد نفسه يشارك في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في رام الله لتبدأ مرحلة جديدة في حياته، تنتقل به من السجن إلى المجلس النيابي، حيث انتخب نائباً عن دائرة رام الله عام 1956، ولا يمكن إغفال دوره في جريدة «البعث» وهي غير الجريدة الشهيرة التي تحمل هذا الاسم وتصدر في دمشق.
فقد أصدر عبد الله الريماوي هذه الجريدة في الضفة الفلسطينية ناطقة باسم التنظيم الفلسطيني للحزب هناك، وكان كمال من أركانها، وقد واصل جهوده الصحفية من خلال صحيفة «فلسطين» التي كانت تصدر في القدس.
بعد انتكاس التجربة الديمقراطية في تلك المرحلة من تاريخ الأردن، توجه إلى دمشق. ليشهد الوحدة العربية الوحيدة التي ولدت في القرن العشرين وانتهت بعد سبعة أشهر وثلاث سنوات من ولادتها. وهي الجمهورية العربية المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر.
بعد انفصال الوحدة بين سورية ومصر توجه إلى القاهرة حيث تلقى وساماً تقديرياً من الرئيس عبد الناصر، وما إن تسلم حزب البعث مقاليد السلطة إثر ثورة 8 آذار كما تقول الموسوعة الحرة عنه 1963م حتى وجد مكانه الطبيعي في دمشق.
استشهاده..
اغتاله الكيان الصهيوني في بيروت الغربية 1973 على يد القوات الخاصة الإسرائيلية مع كمال عدوان ومحمد يوسف نجار. تم إدراج الرجال الثلاثة، وحضر جنازتهم يقارب من نصف مليون شخص معظمهم لبنانيون.
من إبداعه..
عيناكِ خيمتان ترويانِ.. أسطورةَ الضياع في الزمان
وتَعمُقان في دُجى الحِرمان.. وتُصلَبان في ذُرا المكان
على أديم الهجر والنسيان!!.. عيناكِ خيمتان للعذابِ
تطلّ منهما رؤى المصاب.. جريمةُ التاريخ والأحقاب
وغفلةُ الأصحاب والأحباب.. في موكب النِّزال والغِلاب
عيناكِ خيمتان للصراعِ.. مغموستان في دم الجياع
لحنٌ كئيبٌ موحش الإيقاع.. تعزفه قيثارةُ الأوجاع
(ومن قصيدته التي أحسبها صدى شعاره الشهير “يا وحدنا” الذي أصبح صرخة الوجع الفلسطيني، قصيدة “الشعب أقوى”:)
الشعبُ أقوى والتفَتُّ فلم أجد حولي سِوايا!
الماءُ، والزاد القليل، وثورةٌ بين الحنايا
وبقيةٌ من ذكرياتي البيض في إحدى الزوايا
تَجترُّني قَلقًا، فأدفعها، فتجذبني البقايا
وتَشيلُني بين الرؤى السوداء، تضحك من رؤايا!!
الشعبُ أقوى والتفَتُّ فلم أجد حولي سوايا
وتنبئ قصيدته “الوصية الأخيرة” بموته المفاجئ، فيقول فيها:
حبيبي!
إذا ما أتاك الخبرْ
وكنتَ وحيداً
تداعب بين يديك وحيدي
وتهفو لموعدنا المنتظرْ
فلا تَبكني، إنني لن أعودْ
فقد هان عبر بلادي الوجودْ
ذليلاً، جريحاً
ورنَّ بأذني، نداءُ الخطرْ
حبيبي!
إذا ما أتاك الخبرْ
وصاح النُّعاةْ
يقولون مات الوفيُّ، وغِيضَت رُؤاه
ونام العبيرُ بحضن الزَّهَرْ
فلا تبكِني، وابتسمْ للحياه
وقل لوحيدي، لأني أحب وحيدي
أبوكَ رؤى شعبهِ
أضاءت دُجى قلبهِ
وحطَّت على دربهِ
شظايا فِكَرْ
رأى الظلمَ يُدمي رُباه
فثار إلى مُبتغاه
وكان شهيدًا
تَسامى، فلَوَّنَ معنى الصلاه
وعَمَّق مِنْ وحيها وابتكرْ