ما أن جرى الحديث عن رد ايراني على الهجوم الذي قامت به “اسرائيل” على السفارة الايرانية في دمشق ،وأدى إلى مقتل مستشارين عسكريين ودبلوماسيين ايرانيين ومدنيين سوريين ،في اعتداء صارخ وارهابي على سيادة بلدين عضوين في الأمم المتحدة وخوفا” من رد ايراني على هذا العدوان تحركت الدبلوماسية الأميركية علنا” وفي السر مع جوقة اوروبية لتوسط عديد من الدول الفاعلة في المشهد الدولي لدعوة ايران بضبط النفس وتجنب الرد على ذلك العدوان أو في أحسن الأحوال التخفيف منه وجعله ضمن حدود مقبولة على قاعدة عضعضة الأصابع بدل قطع اليد ،وآية ذلك هو منع حدوث مواجهة كبرى في المنطقة يصعب استيعابها وتوسعها لتتحول إلى صراع اقليمي لا قبل لأحد تقبل أو تحمل نتائجه وتبعاته وتداعياته على أمن المنطقة والعالم .
والسؤال الذي يطرح نفسه :ترى لماذا التعامل والحذر والخوف بهذه الطريقة من دول كبرى كأميركا وبعض الدول الأوروبية التي تدور في فلكها من نزاع اقليمي يسببه الكيان الصهيوني باعتداءاته المتكررة على دول المنطقة وحربه الارهابية المفتوحة على الشعب الفلسطيني التي توصف بحرب إبادة جماعية ،ولا تقوم تلك الدول الراعية والحامية لهذا الكيان المجرم بلجمه ومنعه من سلوكه العدواني الذي لولا دعم تلك الدول له وتأمين حماية ومظلة دولية له لما تمكن من كلّ ذلك وتمادى في انتهاك ميثاق الأمم المتحدة وسيادة الدول وتحدي الارادة الدولية معبراًعنها بالقرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن منذ عام 1947 وحتى الآن ونذكر منها القرار 181 قرار التقسيم والقرار 194 لعام 1949القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم والقرارين 242لعام 1967و338لعام 1974والقرار رقم 1397لعام 2002 وآخرها القرار الذي صدرقبل شهر والمتضمن الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة .
إن كلّ ما جرت الاشارة اليه لا يحمل مسؤولية انتهاك ميثاق الأمم المتحدة للكيان الصهيوني فقط ،ولكن لتلك الدول التي هي من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ويفترض فيها أن تكون الأكثر حرصا” على احترام الميثاق ،والضغط باتجاه تنفيذ ما يصدرعن مجلس الأمن من قرارات لا الدفاع وحماية من ينتهك تلك القرارات في تحدّ واضح للارادة الدولية والتمرد على قراراتها ،وانتهاك سيادة الدول ما أضعف من هيبة الأمم المتحدة ومجالسها المتخصصة .
من هنا يصبح المطلوب من هذه الدول ردع المعتدي والضغط عليه لا التوسل لحمايته وعدم الرد على اعتداءاته على دول أعضاء في الهيئة الأممية من حقها بل واجبها الرد عليه ،حماية لسيادتها وكرامتها الوطنية ودفاعها عن مواطنيها في وجه كيان مارق وارهابي يمارس كلّ المحرمات الدولية على مرأى ومسمع دول العالم وشعوبه .
إن التوسل الأميركي والغربي لعدم قيام ايران بالرد على العدوان لا يعكس خوفاًعلى أمن المنطقة وإنما الدفع باتجاه المزيد من التصعيد لأن عدم الرد على ذلك العدوان وما سبقه من اعتداءات سيعطي الضوء الأخضر أو لنقل المزيد من الأضواء للمعتدي كي يستمر في اعتداءاته وتوسيع دائرتها وليس العكس من هنا يصبح المطلوب من أميركا ضابطة الايقاع أن تضبط سلوك ذلك (الولد المدلل)،لا أن تربت على كتفيه كونه (طالع على أبيه ) أو على الأقل قرصة اذن قبل أن تناله صفعة قوية تفقده صوابه وتوازنه وهيجانه ليأخذ ويعرف حجمه الحقيقي وحدود قوته وقدرته على الأذى .
والحال : كلّ المؤشرات والدلائل تؤكد أن ايران سترد على العدوان وهذا قرارتمليه مسؤولياتها الوطنية وهو قرار خاضع للارادة الوطنية وليس للضغوط أو المساومة فالسياسة الايرانية عرف عنها منذ قيام الثورة في عام 1979 أنها سياسية مبنية على العقيدة السياسية والمبادئ وليس المساومة والمتاجرة بالمواقف إضافة الى اعتمادها على قوتها الذاتية وقاعدتها الشعبية الواسعة وشبكة أصدقاء وخلفاء على مستوى المنطقة والعالم ،إضافة الى أن الثورة الايرانية منذ قيامها عرفت نفسها بأعدائها وليس بأصدقائها وفي مقدّمتهم أميركا وإسرائيل. وعودة الأقوياء لاالضعفاء ما جعلها وفرض عليها أن تكون على درجة من القوة الذاتية والردعية لتكون قادرة على التحدي والمواجهة وهذا ما حصل على أرض الواقع .