الثورة _ هفاف ميهوب:
كتب الأديب الروسي “دوستويفسكي” يوماً: “أعظم سرّ في الفنّ، أن تصبح صورته عن الجمال محبوبة، ومن دون قيدٍ أو شرط، إنها حاجة ضرورية للكائنِ البشري، ذلك التناغم الذي يكمن فيه الهدوء، وتجسيد المُثل العليا للإنسان والبشرية”، هذا ما كتبه هذا الأديبٌ، المعروف بقدرته على الغوصِ في أعماق الإنسان، بل وبتجاوز لقبِ الروائي، إلى الفنانِ المتمرّس في جعل قرّائه، يشعرون بأنه فعلاً: “أستاذٌ بارعٌ في فنّ الكلام بغير الكلام”.. نعم.. لقد كان”دوستويفسكي” فناناً بارعاً في تصوير الواقع والحياة، لكنه لم يفعل ذلك كمصوّرٍ يلتقط ما يراه بدقةِ وأمانة الآلة الفوتوغرافية، بل بما وجده أكبر وأوسع وأعمق، وهو ما جعله موجوداً في كلّ شخصيّة من شخصياته، وما جعل القارئ يتفاعل مع أحاسيسه عبر كلماته، ويسمع صوته عبر كلّ عملٍ من أعماله الأدبية. فعل ذلك بقناعةٍ، قد توافق أو تخالف، قناعة أو رؤية غيره من الكتّاب والمبدعين.. برؤية “مارسيل بروست” مثلاً.. الأديب الفرنسي المعروف بأنه كان يعمل بدقّة وصمت، بحثاً عن فنٍّ عظيم.. الفنّ الذي اعتبره وعاءُ الزمنِ ومنبعه، والذي وجد بعد اكتشافه، الزمن الذي ضاع منه، وقضى حياته بحثاً عنه، إذاً، لقد تمكّن “بروست” عبر الفنّ، وعبر الطاقة الإبداعية التي امتلكها، من إيجاد الزمن الضائع، بل ومواجهته مع الموت، وضمن الوقت الذي اقتنصه من حياته التي بدأت بالعلّة.. الوقت الذي لم يتمكّن من التغلب عليه، إلا بفنٍّ أضاء حياته ووجده:”عظمة الفنّ الحقيقي، في إيجاد تلك الحقيقة التي نعيش بمنأى عنها وعن إدراكها..
الحقيقة التي قد نموت ولا نصل إليها، والتي ليست سوى نهر حياتنا المُكتَشفة والمُضاءة، والتي تسري في كلّ لحظة، لدى الناس ممن يسعون لاكتشافها..”..بيد أن في الفنّ فعلاً، وعلى رأي أكثر الأدباء حديثاً عن الفن الإبداعي: “أسرارٌ يستحيلُ على الفنان البوح بها”.. هو رأي “تولستوي”.. الأديب الذي يُعدّ من أكثر الأدباء قدرة على نقلِ مشاعره ومعاناته، إلى القرّاء الذين يعانون مثله، كلّما أعادوا قراءته، وشعروا بما يشعر به، وتجسّده كلماته:”الفنّ أن تستعيد شعوراً عانيته مرّة، فتنقله إلى الآخرين، بالحركات والخطوط والأصوات المعبّر عنها بالكلمات.. الفنّ نشاطٌ إنساني، يقوم على أن ينقل أحدهم للآخرين، مشاعر أحسّها، ومن أجل أن ينفعلوا بها ويعانون منها”.
