بصريح العبارة البنوك ليست لنا ولا لطبقتنا نحن الفقراء، ولا هي حتى لأغلب الذين كانوا مُصَنّفين ضمن الطبقة المتوسطة الآخذة بالتلاشي من مجتمعنا – إن لم تكن قد تلاشت فعلاً – وإنما البنوك تبدو وكأنها قد أحدثت خصيصاً للذين يتربعون على عروش الغنى والثراء بطبقتهم المخملية الرفيعة الشأن والكيان، التي تحظى بما تشاء من القروض والتسهيلات الائتمانية الواسعة الطيف، من الاعتمادات المستندية إلى البوالص والكفالات ككفالة المناقصة ( التأمينات الأولية ) وكفالة حسن التنفيذ ( التأمينات النهائية ) وكفالة السلفة أو الدفعة المقدّمة، وذلك سواء كانت كفالات داخلية أم خارجية بالأحوال العادية.
طبعاً لا شأن لنا نحن بكلّ هذه المصطلحات، فهي لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، وحتى أن أكثرنا غير مستعد للخوض في معانيها لأن معرفتها عبثية بالنسبة لنا بلا فائدة ولا طعم ولا رائحة ولا أي أثرٍ ولا مردود، فنحن بالكاد يهمنا من البنوك ذلك القرض المسمى بالقرض الشخصي، الذي لا يقدّم ولا يؤخر شيئاً من ظروف حياتنا أمام هول الأسعار التي تسابق الريح، بل يُشكّل بالنهاية عبئاً ثقيلاً في التسديد الذي لا يرحم مُقتطعاً من الراتب تلك الحسبة الباهظة – بالنسبة لنا – والتي تصطفّ لالتهام دخلنا إلى جانب التضخم الذي لا يهدأ.
أمّا القروض المعتبرة والمؤثرة فعلياً في الحياة والقادرة على انتشالنا من الفاقة والفقر بتأسيس المشاريع الجادّة والمجدية المستجرة للأرباح بنور الله، فهي ليست لنا، إنها للأغنياء وحدهم بالفعل، والمشكلة هنا ليست بالضمانات التعجيزية فقط وإنما بالشروط المستحيلة التي تلحق بالضمانات.
فمثلاً تطرح البنوك قروضها أمام الجميع، وهي – بكل براءة – لا تمنع أحداً منعاً مباشراً من تقديم الطلب على أي قرض، ومن ضمن تلك القروض : قرض تمويل مشاريع جديدة قيد التأسيس، أو قرض شراء مشروع قائم، والبنوك تبدو سخيّة بمنح هذه القروض حيث تصل إلى خمسة مليارات ليرة.
هذا رائع فهو يعني أنني كمواطن عربي سوري إذا عقدتُ العزم على إقامة مشروع جديد، أو على شراء مشروع قائم ( يعني افتح الباب واشتغل ) فسأكون أمام فرصة ذهبية بتمويل كلفة هذا المشروع أو قيمته حتى وإن وصل حدّ التمويل إلى خمسة مليارات ليرة، وقد لا تصل الكلفة إلى هذا الحد أصلاً، ما يعني ببساطة أنني سأغدو رجل أعمال قادر على المساهمة في زيادة الإنتاج للبلد، وعلى خلق العشرات من فرص العمل التي سأخصصها لأولئك الشباب والصبايا المرهقين في بحثهم عن عمل، ويتوقون لفرصة شريفة، وقادر بالتالي أيضا على المشاركة في إنعاش اقتصاد البلاد، وتحسين مستوى معيشتي ومعيشة أولئك العاملين معي وأسرهم على الأقل، فالبنك سيمنحني قرضاً بخمسة مليارات لمدة لا تقل عن خمس سنوات وربما أكثر، وهو جاهز لذلك تماماً .. ولكن بشرط :
أن أمتلك عقارات .. أراضي وبنايات وأملاكاً وأطياناً لا تقل قيمتها عن عشرة مليارات ليرة، يعني 200% من قيمة القرض كضمانات.
أن أمتلك مليارين ونصف المليار ليرة كاش على الأقل أبدأ فيها بتأسيس المشروع الجديد أو أشتري بها نصف المشرع الجاهز، فالبنك صحيح يعطي خمسة مليارات ليرة ولكن على أن لا يزيد ذلك عن 50% من قيمة المشروع، يعني باختصار عندما أمتلك / 12.5 / مليار ليرة بين الأملاك والكاش يحقّ لي الحصول على قرض الخمسة مليارات ليرة.
وباعتبار أن 90% منّا – حسب إحصاءات غير رسمية – يتلذّذ بالحياة تحت خط الفقر المدقع، هذا يعني – كما قلتُ لكم – إن البنوك لأشباهنا في الخَلق، وليست لنا .. ولا لطبقتنا .. وفقط.