الثورة – ديب علي حسن:
غادة السمان الكاتبة السورية الأكثر جرأة وقدرة على إثارة ألف غبار معركة في وقت واحد.. ربما هي في الصف الأول من المبدعات العربيات اللواتي كسرن تابو المحرمات في إعلان الحب.
صحيح أن ولادة بنت المستكفي سبقتها في الأندلس، لكن غادة في حرم القبيلة كما تقول تعلن الحب.
تعلن أنها لن تكتفي بحب واحد..
صحيح القول إبداعي، لكنه جرأة ما بعدها جرأة في مجموعتها التي حملت عنوان: أعلنت عليك الحب والتي صدرت في بيروت ١٩٧٦م تغرد بصوت التمرد..
ولكن قبل الدخول في عبق المجموعة، نشير إلى ما كتبته ذات يوم إلى غسان كنفاني إذ قالت:
“أعلم أنك تفتقدني لكنك لا تبحث عني وإنك تحبني ولا تخبرني وستظل كما أنت صمتك يقتلني”، وقد جاء رد غسان: “ولكنني متأكد من شيء واحد على الأقل هو قيمتك عندي كل ما بداخلي يندفع لك بشراهة لكن مظهري ثابت”.
وكتب لها أيضاً:
أريدك بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع أخذك بمقدار ما ترفضين ذلك، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معاً، وأنا وأنت نريد أن نظل معاً بمقدار ما يضعنا ذلك في اختصام دموي مع العالم!!! لا تكتبي لي جواباً.. لا تكترثي، لا تقولي شيئاً.
الحب وحدة لا يستطيع مهما بلغت حرارته أن يخبز رغيفاً وحيداً، إنّني أحبك كما لم أفعل في حياتي، وأجرؤ على القول كما لم يفعل أيّ إنسان وسأظلّ. مأساتي ومأساتُك أنني أحبك بصورة أكبر من أن أخفيها، وأعمق من أن تطمريها. شيء جميل أن تكون قريباً من شخص محتفظ بك لا يبتسم لغيرك، ولا يعطي ربع مكانتك لأيّ شخص آخر.
وترى غادة أن الحب الفاشل موجع , ولكن الحب المتبادل أكثر إيلاماً.. لا شيء يشفي غليله سوى الاحتراق المشترك أو الموت المشترك.. ولا نملك حتى حق الخيار بينهما.. لم يحدث شيء: لقد أحرقتك عقاباً..
والغريب أنها في مجموعة أعلنت عليك الحب مترددة متقلبة كما لو أنها هي شهريار..
نقرأ نصاً طويلاً تحت عنوان: رافعة علم نزواتي بلا حدود..
في هذا النص ليست شهرزاد أبداً بل هي شهريار الذي كان على رأي الأخوين الرحباني يبدد النساء.. تقول غادة:
في أيام مقبلة لا ريب.
بينما أحيل قلوب الرجال
حقولاً للانتظار
والنزوات المجنونة..
والدمع الأسود
ينفجر من موقع خطاي
كينابيع اللعنة
واللذة الحادة كطعنات سكاكين
تفرقع كالسياط على جدران معبدي.
أنا كاهنة الشر الملون
في أيام كهذه مقبلة بلا ريب
حين يمر اسمك في خاطري
لن تدمع عيني ولا قلبي.
ولكنني سأشهق سمكة
أخرجوها من الماء.
وكوردة برية زرعوها فوق أسفلت شارع مزدحم.
والنص الأخير في المجموعة جاء تحت عنوان: حب الرجال كما الماء في الغربال
ها أنا اقلب الصفحة العتيقة..
وفي صفحة جديدة
أكتب من أول السطر:
أحبك أحبك أحبك
لا تاريخ لي قبل عينيك
لا درب لي غير برقك
لا وطن لي غير جسدك
لا توقيت لي غير نبضك
لا خبز لي غير قمح راحتيك
وان اهرب من حبك المفترس…
ولتشهد أنفاس الربيع الأولى علي:
فوق رصيف الرضا
أمد لك جسدي…
وباستسلام سنبلة لحد المنجل
أمنحك…
ولن اهرب من حبك المفترس
ولتشهد شرايينك:
يتدفق دمي إليها…
ولن أهرب من حبك المفترس
فالمسافة بين جرحي ووجهك
ليلة انتظار…
…. فارتد حبي…
واخلع ذاكرتك
ولن أهرب من حبك المفترس…
تستطيع العجائز أن تثرثر:
(حب الرجال كالماء في الغربال).
تستطيع الأمواج أن تثرثر:
كل كلمات الهوى
تمحى- لا محالة – عن الرمال…
فليكن ما يكون:
أحبك وأهلاً بالزلزال
…. ولن أهرب من حبك المفترس…
وتحت شلال روحك النقية
اغسل وحل شكوكي
أنا امرأة الرفض والجنون
أخرج إليك من غابة الشعراء والغربة
فدثرني باليقين…
وخذني إلى قلبك المعبد..
وامسح عني غباري وزنزانة مخاوفي..
فالفرح يولد على أصابعك
وغدي يشرق من ضلعك…
ولن أهرب من حبك المفترس
فليعتقلني حلمك
ولتطاردني رغباتك.
سأشهر عليك استسلامي..
وأطلق عليك حبي… حبي… حبي.
هل هي لعبة الإغواء بالإبداع أو الرسم بالكلمات كما فعل نزار قباني في مرحلة إبداعية..
غادة السمان أعلنت الحب إبداعاً وراية، وهذا ما نحتاجه لكن دون أن تحيل قلوب الرجال حقولاً للانتظار.