ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم:
بين نفي التخلي عن استمرار دعم وتسليح فانتازيا المعارضة المعتدلة، على لسان الناطقة باسم الخارجية الأميركية، وتأكيد النية بذلك على ذمة التسريبات الإعلامية والدبلوماسية، تنوس السياسة الأميركية، لتترك الباب واسعاً للتأويلات،
وأحياناً للتفسيرات التي لا تخلو من أجندات مستقلة بحد ذاتها، لإشغال المساحة الإعلامية والبروباغندا الغربية في روايات وقصص التسريبات والتسريبات المضادة.
وبانتظار أن يحسم الرئيس أوباما خياراته، ويستوي في جلسته على الكرسي البيضاوي، بعد أن ترنّح تحت وقع اكتساح الجمهوريين للكونغرس، ستبقى معادلة النفي المعلن والتأكيد المسرب سيدة الموقف إلى إشعار آخر، مصحوبة بكثير من الدلائل والمؤشرات على أن أي تعديل في السياسة الأميركية حتى اللحظة غير وارد، ولا هو مطروح، لسبب بسيط وجوهري.. هو أن الإدارة الأميركية غير جاهزة ولم تنضج فعلياً للحلول السياسية بعد..!
الفارق بين لعبة أميركية وأخرى لا يتعلق باختلاف جوهري في الخيارات، بقدر ما هو قائم في التوقيت قبل سواه، حيث لا يمكن لعاقل في الدنيا أن يتخيل مثلاً أن إدارة الرئيس أوباما كانت تحتاج إلى تقرير المؤسسة العسكرية حتى تتبين استحالة إنشاء جيش من بدعة المعارضة المعتدلة، وعلى طاولتها تتراكم عشرات وربما مئات التقارير المختلفة المصدر والاتجاه عن تلك الاستحالة.
وفي المنحى ذاته لا أحد أيضاً إلا ويدرك الوضع الصعب الذي تتحرك فيه إدارة الرئيس أوباما في الوقت الحاضر، وسيكون من السذاجة السياسية التخيل بأن هذه الأوضاع يمكن أن تكون دافعاً ليأخذ قراراً على هذا المستوى من الحساسية السياسية والإعلامية والدبلوماسية، وما يترتب عليه من تداعيات لاحقة تتعلق تحديداً بعلاقة أميركا بحلفائها الذين وضعوا أوراقهم في سلة الخيار الأميركي بتسليح المعارضة ليوطدوا العلاقة مع التنظيمات الإرهابية!!، وأحرقوا مراكب العودة منذ وقت طويل، وبعضهم على الأقل ذرّ رمادها أمام أعين الجميع.
هذا بالتأكيد ليس فقط اتهاماً للإدارة الأميركية بقدر ما هو توصيف لواقع قائم ومحاولة لتقديم قراءة هادئة لبالونات الاختبار الأميركية، رغم اليقين بأنه لن يتم التعاطي معها بجدية، بدليل أن بعض الحلفاء الضالعين في محاكاة الاستلاب الأميركي قطعوا أشواطاً بعيدة في المزايدة على الأميركي ذاته، وراحوا يشترطون هنا ويقترحون هناك، بما هو أبعد بكثير من مسألة البدعة الأميركية، وهم الذين تطابقت أجندتهم مع أوراق التنظيمات الإرهابية، وسيكون من السابق لأوانه الحديث عن تقريع أميركي لهم في المدى المنظور.
ولعل المتداول داخل الأروقة الأميركية عن إعادة ترتيب أوراق البيت الأبيض يسرع من تكهنات دارجة على أكثر من صعيد، نتيجة الفشل في إدارة ملفات عديدة وليس ما يتعلق فقط بما يجري في المنطقة على أهميته وحيويته بالنسبة للإدارة الأميركية، وقد تزداد هذه القناعة بعد نتائج الانتخابات النصفية التي جاءت لترجح الكفة المتأرجحة بين التصديق والتكذيب، وتحديداً فيما يتعلق بأداء الخارجية والدفاع وصولاً إلى رئاسة مجلس الأمن القومي.
بهذه المؤشرات سيكون النفي والتأكيد وجبة سياسية أميركية يومية، لن تتغير في المدى المنظور، وسيكون من العبث السياسي البناء على غير ذلك، حتى لو ظهر ما هو أكثر وضوحاً أو أبعد دلالة بما فيه ما جاء على لسان الرئيس أوباما ذاته، وتبقى لعبة المصادر الدبلوماسية للتسلية في الوقت بدلاً من الضائع، ومجرد فقاعة قابلة للتصديق والتكذيب حسب مزاج الذين يلهثون خلفها، فيما الوقائع تتحدث عن متغيرات جوهرية في معطيات المشهد الإقليمي، بحيث يكون قلب الطاولة على رعاة الإرهاب الإقليميين والأوروبيين ووكلائهم من ممولي الإرهاب ومسلحيه مجرد تفصيل صغير في رقعة تمتد باتساع المنطقة وقد تشمل ما هو أبعد من المنطقة، وتنطوي على مفارقات استراتيجية أبعد من حدود انعطافة تقنية في السياسة.
بين ألسنة الناطقين الأميركيين وذمة التسريبات المبنية على فرضية المصادر الدبلوماسية، مسافة فاصلة من الشواهد والحسابات المتناقضة والتفسيرات المتعارضة، وسيضيع المزيد من الوقت في قراءة بوصلة الاتجاه فيها على الذين يراهنون على وهم أو سراب في بيداء تمتد على طول الأفق السياسي القائم على تخوم المنطقة، فيما تشتعل في داخلها أجندة صراع تؤججها أطماع وأحلام بائدة وورثة ونواطير ظلام وقتلة ومرتزقة وأجراء وأتباع .
وحتى تأتي لحظة تتجرأ فيها إدارة الرئيس أوباما أو غيرها من الإدارات الأميركية على إعادة جدولة فانتازيا المعارضة المسلحة تمهيداً أو تحضيراً لإعلان الطلاق البائن مع الوكلاء ومتزعمي الإرهاب الحديث منهم والقديم والباحثين عن الأمجاد الغائرة أو المستنجدين بخشبة الخلاص الأميركي.. حينها قد تستوي ألسنة الناطقين الأميركيين في النطق الصحيح، وربما معها أو من دونها قد تجد التسريبات طريقاً يوصلها إلى ما هو خارج السراديب المخفية وأروقة الأقبية ومفهوم الغرف السرية.
a.ka667@yahoo.com