الملحق الثقافي- د. لين غرير:
في بدايتي الأدبية أهديت كتابي لرجل محترم قارئ ومثقف.. وقد شكرني وهو يقول: «رغم أنني لا أحب قراءة أدب النساء ولايستهويني لكن شكراً لك..»
أجبته: «إن قولك هذا يا سيدي لهو أكبر دليل على أنك تقرأ الكثير من الأدب النسوي حسب تعبيرك كي تثبت لنفسك أنه لا يعجبك.»
ربما علي الحديث عن تأنيث المشهد الإبداعي.. رغم أنني أجد مجرد طرح هذا الأمر كمشهد هو فصل في عملية الإبداع وتعزيز انقسامها إلى ذكوري وأنثوي.. حين نقسم الإبداع حسب الجنس نكون كمن يقطع الشمس إلى نصفين فيفقد وهجها كاملاً.
الإبداع واحد سواء كتب بقلم رجل أو بقلم امرأة أو حتى طفل.. إذا كان إبداع المرأة أقل ظهوراً، فهذا بسبب الضغط الاجتماعي والمجتمع البطريركي الذي يحيطها بقيود كثيرة تمنعها من الإبداع أو على الأقل من نشره وإظهاره للناس.. فتجد النساء المبدعات إن استطعن ممارسة إبداعهن يبقين عليه بين جدران المنزل على رفوف الحياة المنسية خوفاً من رأي الآخرين، أو من رجلٍ متحكم لا يعجبه تميّز المرأة، أو حتى خوفاً من أولادٍ أو ربما أحفاد.
الإبداع يحتاج فوق الموهبة والثقافة إلى جرأة وشجاعة ومغامرة وحد أدنى من الحرية التي تسمح له بالظهور.. وإن كانت المرأة اليوم قد ظهرت في المشهد الإبداعي بشكل ملفت، فهذا دليل جيد على أنها أخذت تنفض عنها غبار الخوف المتراكم عبر أجيال كثيرة، وهو دليلٌ أيضاً على تقبّل المجتمع لها وعلى وجود رجال يحاولون فك عقد الذكورة المتوارثة والتمتع بالإبداع ونتاجه بغض النظر عن جنس كاتبه.
المشكلة التي ما زالت المرأة تعاني منها هنا أحياناً هي أن يحدث تصفيق ذكوري حولها دون قراءتها جيداً لمجرد أنها امرأة.. هذا هو المشهد الأسوأ الذي لا تريده أي مبدعة حقيقية.. لأن الإنجاز الأدبي يجب أن يثبت نفسه بغض النظر عن المبدع.. ورغم رفضي لوجود أدب نسوي وأدب ذكوري لكن ظهور الإبداع الأنثوي مؤخراً على الساحة الأدبية هو حالة صحية اجتماعية إن دلت على شيء فهي تدل على أننا في الطريق الصحيح كي يصبح الإبداع إنسانياً دون أي مسمى آخر له.
العدد 1194 – 25 -6-2024