الثورة- ديب علي حسن:
محمد قجة الباحث السوري الذي عرف بما قدمه للمكتبة الغربية من دراسات وأبحاث وهو الأديب الموسوعي الذي صال وجال في ميادين شتى وبرز فيها كلها.
ثمة وجه ومجال آخر كان له قصب السبق فيه لكنه تركه جانبا انه الشعر الذي لم يكن لينشر الكثير منه .
المفاجأة الجميلة صدور كتاب عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق حمل عنوان (قصائدي) يبدو أن الشاعر قد عمل على جمعها واختيارها قبيل رحيله ،وفي التقديم للكتاب يقول:
(تضم هذه المجموعة الشعرية متفرقات عمر بعضها أكثر من نصف قرن تتناوب فيها الخواطر والمناسبات والبوح الذاتي والانساني.
وأنا-في واقع الامر-لا ادعي الشعر فلقد انصرف اهتمامي بشكل كبير للدراسات والبحوث والمحاضرات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات محلياً وعربياً ودولياً وفي مجالات العمل العام بأشكال مختلفة.
وكان الشعر يأتي في لحظات صفاء نفسي تفرض أن يكون التعبيرعنها كلمات مموسقة تغترف من مخزون الذاكرة الشعري وهو بالنسبة لي مخزون غزير منذ المرحلة الابتدائية.
والقائد المنشورة في هذه المجموعة منتقاة من سلسلة من الأوراق المتراكمة عبر السنين منذ خمسينات القرن العشرين.
وأبرز ما اذكره في تلك المرحلة ابيات من قصيدة كتبتها بمناسبة العدوان الثلاثي (الانكليزي-الفرنسي-الصهيوني) على مصر عام ١٩٥٦ وكنت طالباً في المرحلة الثانوية وكنت من المثابرين على ارتياد دار الكتب الوطنية في حلب للمطالعة بشكل شبه يومي، وقد لفت نظري أن إدارة دار الكتب تحضر لاقامة مهرجان خطابي تضامنا مع مصر العربية الشقيقة وكان مدير دار الكتب وقتها الأديب الأستاذ سامي الكيالي صاحب مجلة الحديث الحلبية. وقد تشجعت وكتبت قصيدة من ستين بيتا في تلك المناسبة، وقصدت مكتب مدير دار الكتب وانا متردد حذر وطلبت منه أن أشارك في المهرجان الخطابي بقصيدتي فنظرالي بفضول واستغرب لكنه غير موقفه بعد قراءة القصيدة وادرج اسمي بين المشاركين في المهرجان. وللأسف الشديد ضاعت أوراق القصيدة واحتفظت ذاكرتي ببعض منها وضعتها في قصائد هذه المجموعة.
وما زلت أعشق شعر العمود الذي تغذت به ذاكرتنا وبايقاعاته الموسيقية المؤثرة وهكذا غلبت علي قصيدة العمود وخاصة في شعر المناسبات الوطنية والقومية والإنسانية.
ولكن ذلك لم يمنعني من كتابة قصيدة التفعيلة وعلى نطاق واسع لان تلك القصيدة لم تبتعد عن الإيقاع الموسيقي المألوف ولكنها تحررت من رتابة القافية كما تحررت من نظام الشطرين في البيت الشعري المعتمد على عدد محدد من التفعيلات في كل بيت. أما ما يدعى بقصيدة النثر فإنني أراها تجربة تتارجح بين الاحساس الموسيقي الداخلي في الكلمات وبين الخاطرة الفنية التي هي نثر أكثر منها شعراً ومع ذلك كتبت هذا في كثير من الأحيان).
الكتاب الديوان يقع في ٣١٠ صفحات من القطع الكبير ويقدم فيه مختارات من قصائده الجميلة التي يزهو بها.
وهنا نشيرإلى أن قجة دأب لعقود من الزمن في البحث عن بيت المتنبي بحلب وقد عثر عليه وتأكد للباحثين أنه فعلاً بيت المتنبي الذي أقام فيه عندما كان ضيف سيف الدولة في حلب وأنشد أجمل قصائده..
«أهواك يا حلب»
من أجواء القصائد نقتطف:
أهواك يا حلب الشهباء فاقتربي
وعانقينيى لارقى فيك للشهب
يادرة في ضلوع الصخر طالعة
يعنو لك الصخر في عجب وفي عجب
شهباء يا مولد التاريخ منتشيا
بما منحت هوى في سائر الحقب
مدي ذراعيك يا شهباء والتقطي
زهر النجوم ورشيها على الكتب
تطاولين الثريا قلعة شمخت
وطاولتها الليالي ولم تغب