الثورة – ترجمة ختام أحمد:
في خطابه إلى الأمة في 24 /تموز، والذي أعلن فيه قراره بالتنحي عن منصب مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة، كرر الرئيس الأمريكي جو بايدن التزامه بالشفافية والصدق، قائلاً: “لقد وعدت بأن أكون صريحاً معكم دائماً، وأن أخبركم بالحقيقة”.
ولكن تصريحاته تتناقض بشكل صارخ مع الواقع. فقد زعم بايدن أنه يتنحى لتوحيد الحزب وتوحيد الأمة مع جيل جديد. ومع ذلك، لم يتطرق إلى القضية الملحة المتمثلة في أنه كان السبب الرئيسي للانقسام في حزبه حيث كانت لياقته لشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة محل تركيز منذ أدائه السيئ في المناظرة.
إن إغفال هذه الحقيقة يسلط الضوء على اتجاه مثير للقلق داخل الحزب الديمقراطي ــ نمط من الإنكار والتعتيم يعكس التكتيكات الخادعة التي ينتهجها نظراؤهم الجمهوريون.
لقد جعل الحزب الجمهوري، في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الخداع سمة مميزة لاستراتيجيته. وكان تأكيد ترامب الذي لا أساس له من الصحة بأن انتخابات عام 2020 كانت مزورة أحد أكثر الأكاذيب ضرراً للديمقراطية الأمريكية. وعلى الرغم من الافتقار التام للأدلة والعديد من الأحكام القضائية التي رفضت هذا الادعاء، فقد استمر ترامب وحلفاؤه في هذا الكذب، وبلغ ذروته في أعمال الشغب في الكابيتول في 6 كانون الثاني. كانت هذه المحاولة العنيفة لقلب نتائج الانتخابات مثالاً صارخاً على مدى تسرب المعلومات المضللة إلى عقول الناس.
من ناحية أخرى، يصور الديمقراطيون أنفسهم باعتبارهم صوت العقل والمدافعين عن الديمقراطية ومناصري الحقيقة. وهم ينتقدون ازدراء الجمهوريين للحقائق والتلاعب بالحقيقة. ومع ذلك، فإن رفضهم المستمر للاعتراف بالتراجع الواضح لبايدن يُظهِر أنهم ليسوا فوق التكتيكات المماثلة.
لقد شهد الجمهور صراعات بايدن على مدار السنوات الماضية، ولكن بشكل خاص أثناء المناظرة، حيث كانت هفواته في الذاكرة ولحظات الارتباك واضحة.
ومع ذلك، حافظ البيت الأبيض والقيادة الديمقراطية على رواية الثقة الراسخة في قدراته، ورفضوا أي مخاوف باعتبارها هجمات لا أساس لها أو ذات دوافع سياسية. في الأساس، قيل للجمهور أن ما نراه ليس ما يحدث – التلاعب في أفضل حالاته.
إن هذا السلوك له عواقب وخيمة في نظام الحزبين حيث وصلت انعدام الثقة العامة بالفعل إلى مستويات عالية بشكل مثير للقلق. فقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في عام 2024 أن 28% فقط من الأميركيين يثقون في قدرة الحكومة الفيدرالية على القيام بما هو صحيح في معظم الأوقات، وهو رقم يؤكد على انتشار السخرية وخيبة الأمل بين الناخبين. ولا يخلو هذا انعدام الثقة من العواقب؛ فهو يولد اللامبالاة والانفصال، وفي بعض الحالات العداء تجاه المؤسسات السياسية.
لقد أدت حلقة بايدن إلى تفاقم هذه المشاعر. فعندما يقع حزب يدعي أنه يمثل الحقيقة والشفافية في شبكة من الإنكار والتعتيم، فإنه يخون أنصاره ويوفر الذخيرة لمنتقديه. ومن المرجح أن تدفع هذه الخيانة المزيد من الناس بعيداً عن العملية السياسية تماماً. وإذا كان الديمقراطيون حاملو لواء الصدق المزعومون على استعداد لخداع الجمهور لتحقيق مكاسب سياسية، فمن يستطيع المواطن العادي أن يثق به؟.
إن الآثار المترتبة على هذا التآكل في الثقة عميقة، فالولايات المتحدة أصبحت بالفعل أمة منقسمة، حيث بلغ الاستقطاب السياسي مستويات غير مسبوقة في التاريخ الحديث. وقد أوضحت انتخابات عام 2020 هذا الأمر بشكل صارخ، مع الانقسامات الحزبية المتجذرة وانعدام الثقة على نطاق واسع في العملية الانتخابية. لقد أصبح العنف السياسي، الذي كان في يوم من الأيام خوفاً بعيداً، حقيقة ملموسة كما رأينا في محاولة اغتيال ترامب في وقت سابق من هذا الشهر.
في مثل هذه البيئة المتقلبة، فإن آخر ما تحتاج إليه أميركا هو أن يواصل قادتها تقويض ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية. ولابد أن يفسح عصر “التضليل” والخداع الاستراتيجي المجال لعصر جديد من المساءلة الحقيقية والصراحة.
لا يكفي مجرد انتقاد الطرف الآخر بسبب أكاذيبه وتلاعباته؛ بل يجب على المرء أيضاً التأكد من أن بيته في حالة جيدة. لكن ملحمة بايدن هي نموذج مصغر لأزمة الثقة الأوسع في السياسة الأمريكية. لقد ساهم كلا الحزبين في هذه الأزمة، وكلاهما يتحمل المسؤولية عن معالجتها.
إن خيبة أمل الجمهور في السياسة لا يمكن عكسها إلا من خلال بذل جهود متواصلة وحقيقية لإعادة بناء الثقة. وهذا يتطلب أكثر من مجرد الكلمات؛ بل يتطلب أفعالاً تثبت الالتزام بمبادئ الديمقراطية والنزاهة.
المصدر _ سي جي تي إن