الملحق الثقافي:
في دراسة مهمة نشرها موقع الديوان قدم الدكتور رياض كامل دراسة مهمة حول نشاة الرواية السورية من هذه الدراسة نقتطف
لا شك أن للأحداث السياسية دورها الفاعل في التأثير على كل مناحي الحياة الفكرية، وأن الرواية والقصة والأدب عامة تتجاوب مع الحدث السياسي والتحولات الاجتماعية، خاصة إذا كانت هذه الأحداث دراماتيكية، كما هو الأمر في سنوات الثلاثين من القرن العشرين، إذ شعر السوريون أن دولتهم قاب قوسين أو أدنى، هذا العامل السياسي هو نفسه الذي كان الدافع للحركة الأدبية النشطة في أعقاب هزيمة حرب حزيران سنة 1967 في مرحلة لاحقة، ثم يجب ألا ننسى أو نتناسى أن الاحتكاك الفعلي ما بين سوريا والغرب كان في أعقاب الانتداب الفرنسي وما ولده ذلك الاحتكاك من ترجمات وما ولدته هذه الترجمات من تحفيز وإثارة وتقليد، لتتلوها فيما بعد مرحلة جديدة حين وثق الروائيون أكثر بذاتهم وقدراتهم وتراثهم الغني فعادوا إلى الجذور لخلق ما هو جديد يتناسب مع الواقع الحديث بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ظلت الرومانسية هي الإطار الغالب على الرواية السورية، حتى سيطر التيار الواقعي سيطرة شبه تامة على الرواية السورية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وذلك بتأثير الاستقلال، وما شهدته سورية من انقلابات في الخمسينيات وتوجه النظام نحو النظام الاشتراكي وتوزيع الأراضي على الفلاحين، والتأميم، إضافة إلى تأثير الرواية المصرية التي كتبت في أعقاب ثورة يوليو1952 في مصر، حيث استقبلت هذه الكتابات بحفاوة في سورية، كما يشار إلى المؤثرات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية، وترجمة الروايات من اللغة الروسية،(النساج، ص213-214)
ولكي تنشأ رواية سورية أصيلة، تصور شخصيات وأماكن سورية كان لا بد أن ننتظر -كما يقول الدكتور محمد مصطفى بدوي- الكاتب حنا مينة وأولى رواياته «المصابيح الزرق» (1954).
(Badawi, p210) «وقد رافق هذه الرواية ضجيج ثقافي قادته الأصوات اليسارية، وما زالت أصداؤه تتردد في الدراسات الأدبية التي تتحدث عن «المصابيح الزرق» خاصة والاتجاه الواقعي عامة»، (الفيصل، 1996، ص92) يلاحظ الدارس ما لهذه الرواية من أهمية في تاريخ الرواية السورية، إذ لم يستطع أي من الدارسين ان يتنكر لها، أو يتغاضى عن الدور الهام الذي لعبته هذه الرواية، فتسارعت أقلام النقاد والدارسين في مصر بالذات إلى دراستها والتنبيه إلى مولود جديد معافى، بالرغم من بعض عيوبه الفنية.
مهما قيل عن أهمية رواية الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين في سورية إلا أن الإبداع الروائي كان شحيحاً حتى أواخر الستينيات، فمن بين نحو أربعمئة رواية صدرت في بلاد الشام في السنوات 1870-1967، نجد بينها أربعين رواية سورية فقط، ومنذ نهاية الستينيات من القرن العشرين أصبحت الرواية أكثر انتشاراً، إذ صدرت ما بين 1970-1989 أكثر من مئة وتسعين رواية. (السعافين، ص571-589)
إذن يجمع الكل على أن الرواية السورية قد تخلفت عن الرواية في مصر ولبنان، وأن بدايتها كانت مع شكيب الجابري في ثلاثينيات القرن العشرين، بعد أن كان الرأي العام، حتى المثقف منه، ينظر إليها بشيء من الاستهانة، وكي تنهض الرواية السورية فقد كان عليها أن تمر بمراحل ثلاث، كما يرى الباحث حسام الخطيب: (الخطيب، 1983، ص16-24)
– المرحلة الأولى (1937-1949).
تتميز هذه المرحلة بالأسلوبية والتعليمية مع ميل إلى الرومنسية. وقد برز في الرواية الدكتور شكيب الجابري في رواياته الرومانسية العاطفية، والأستاذ معروف الأرناؤوط (1892-1948) في رواياته التاريخية ذات النزعة الرومانسية، ولم يتعد معدل إنتاج الرواية في هذه المرحلة واحدة في كل عام وذلك مع التسامح الشديد في إطلاق كلمة رواية على كثير من الأعمال التي نسبت نفسها إلى هذا الفن.
– المرحلة الثانية (1950-1958).
في هذه الفترة فتحت الأبواب أمام المؤثرات الأجنبية، التي كان لها انعكاسها على المذاهب والتجمعات الأدبية التي أخذت تظهر على الساحة ولا سيما ما كان متصلاً بالواقعية الاشتراكية والوجودية، في هذه المرحلة تطورت القصة القصيرة، أما الرواية فقد ظل تطورها شديد البطء، ومن بين كتاب هذه المرحلة يبرز بوضوح الكاتب الواقعي حنا مينة في روايته «المصابيح الزرق»، إذ أدخل إلى الرواية بوادر نفس جديد من الفكر اليساري وأسلوباً جديداً في معالجة الموضوع الاجتماعي يحاول التخلص من سيطرة الرومنسية السائدة.
– المرحلة الثالثة.
تبدأ هذه المرحلة في عام 1959، وهي مرحلة نهوض الرواية وانطلاقها باتجاه تجارب فنية وفكرية واجتماعية وعصرية، وهي مرحلة في غاية الأهمية، سنعود إليها في دراسة لاحقة.
إن التقسيم الوارد أعلاه، بخصوص الرواية السورية رغم أهميته، لم يلق من العناية والدراسة والتمحيص ما لقيته الرواية المصرية من دراسات دقيقة ومتنوعة أشارت إلى محطات ذات أهمية خلال مسيرتها، وإلى دور الرياديين فيها، اللهم إلا بعض الدراسات، مثل: دراسة الدكتور إبراهيم السعافين، «تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام (1870-1967)» الصادرة سنة 1980، وهي دراسة تمتد على مسافة زمنية واسعة، كما نرى، وتتناول الرواية في بلاد الشام كلها، وليس سورية على انفراد.
يشعر المرء أن الرواية السورية لم تحظ من العناية ما يكفي لدرجة أن الباحث المعروف محمد مصطفى بدوي- في سياق حديثه عن بداية الترجمات وصدور أول رواية عربية- أشار إلى أن فرنسيس مراش هو كاتب لبناني مع أنه كاتب سوري وإليه تنسب أول رواية عربية كما ذكرنا سابقاً، ليس ذلك من قبيل الصدفة، برأيي، فالرواية المصرية قد طغت على الرواية السورية، واستطاع روادها، لفترة طويلة، أن يسيطروا على الساحة الروائية والأدبية عامة، ولذلك فالدراسات صبّت جل عنايتها بهذا الدور، متناسية دور الآخرين في بلاد الشام وشمال إفريقيا بشكل خاص، وإنني لأرى حاجة ماسة إلى مثل هذه الدراسات لتسليط الضوء على أهم كتابها منذ الرياديين الأوائل وحتى مراحل لاحقة، وقد بدأنا نرى في العقدين الأخيرين دراسات أكاديمية حول أسماء لامعة وهامة منها دراسة لي حول خطاب مينة الروائي وأخرى للباحث الدكتور فؤاد عزام حول الروائي حيدر حيدر ودراسة ريادية سابقة للباحثة فريال كامل سماحة حول رسم الشخصية الروائية عند حنا مينة.
العدد 1200– 6-8-2024