الملحق الثقافي- وفاء يونس:
رجاء شعبان صوت شعري وروائي سوري له وجوده الحاضر على الساحة الإبداعية , تبدو غزيرة الإنتاج ولاسيما في نصوص البوح , لكنها تركز على العمل الروائي , حول تجربتها هذه كان لنا هذا الحوار :
لماذا الرواية الآن؟
لأنها منذ البدء كانت! فكل ما كتبته كانت جداول صغيرة من هنا وهناك أشبه بالسبل والسواقي التي تصبّ في نهر… ونهري هو الرواية، وهذا النهر جاء من روافد الشعر والخاطرة والنثر والأقصوصة والقصة وسرد الحادثة.
– .قدمت أكثر من رواية أيها الأقرب إليك والأكثر حضوراً برأيك؟
قدمت ثلاث روايات وعندما كنت أنهي الرواية كنت أشعر أنها الولد الأول والأخير الذي لن أحبّ قبله ولا بعده، لكني مع كل رواية كنت أكتب بها وفيها قصص عشقي لفنون الحياة التي أغزلها على الصفحات بقالب اسمه الرواية… فكانت الأقرب لواقعي الأولى « لا عشق بعدك» ، والأقرب لوجداني الثانية « رسالة مطوّلة إلى عزيزي الرجل، والأقرب لروحي، الثالثة « على تلّة البربهان»، وستأتي الرابعة بعدها وتأخذ شيئاً من كياني وهكذا…. مع كل رواية سيولد حبّ جديد ستأتي به هي… فهي مولود…. أفلا نفرح بالمواليد؟!
– من تتابعين في المشهد الروائي السوري؟ ولماذا؟
أتابع الغالبية من الأصدقاء، ومن يكون ممن لا أعرفه مسبقاً، وأحياناً تكون الهدايا هي مَن تدعني أتابع أصحابها، فإما أن أرى اسلوب الرواية جميلاً لأكمل بها أو أدعها لعدم القدرة على هضمها، قرأت أحياناً بحكم الواجب والضرورة، وأحياناً بدافع الحب لشخصية وأسلوب الكاتب، أما مَن هناك أترتقّب لأتابعه فلا يوجد، لكسلي في هذا الأمر ربّما، وربّما لأنّي غير موفّقة بمتابعة الروايات العربية عموماً، مَن كنتُ أترقّبه قديماً هو باولو كويلو والكاتبة ايزابيل الليندي…الآن من أترقبّه هو عربي ولكن ليس سورياً في عالم الكتابة والأدب، إنه الكاتب التونسي مازن الشريف، وما دون أحب لكن دون متابعة مقصودة.
– روايتك على تلة البربهان تحمل فلسفة روحية وصوفية هل أردتِ الخروج من تابو المحرمات؟
روايتي على تلّة البربهان، رواية واقعية بامتياز لكن تحمل الصبغة الفلسفية، وهذه الصبغة غير مقصودة، لأنّ أسلوبي في الكتابة أسلوب فلسفي بحكم فكري التأمَلي الوجداني السردي والتحليلي، الذي يصل لحد الحوار ضمن نطاق الروح من وجهة نظري وهذا شيء لم يعتد عليه تفكيرنا الواقعي العربي كثيراً بحكم أنّ الإغراق في الوجدانيات له أناسه وأهله المختصون بذلك فتلك طبيعتهم الفطرية وميلهم إلى الانعزالية قليلاً وتحليل الواقع برؤية جمالية وتحويلها من واقع مر إلى واقع مجمّل ومروحن بالروح، وهذا الأسلوب أو النمط من الفكر نجده عند جبران خليل جبران الكاتب الوجداني العظيم.
أما عن تابو المحرمات… فأعتقد لم أفكر بالأمر ولم أقرر، ولكن تأتي كتابتي وروايتي تلقائية الطرح والفكر والأسلوب حسب المرحلة التي أعيشها والتجربة التي أكون قد مررت بها، فنحن دائماً نتغير وتتغير معنا أدواتنا، وقد نبدو شخصيات أخرى وهذا أجمل طبعاً ودليل التطور والإبداع والاستفادة من التجارب وتحويل الهزائم إلى أفكار مبدعة وخلّافة وزيادة نبض الحياة بما يروي أغصانها. والكاتب هو الوحيد الذي ليس عنده محرمات.. فهو ليس شيخ طريقة ولا داعية دينياً ولا تاجراً أو صانع نسيج… هو صانع حياة والحياة لا تتجزأ.
– رسالة إلى عزيزي الرجل.. هل لاقت الصدى الذي توقعته ولاسيما أنها تخاطب الرجل ..؟
طبعاً حين أكتب أكتب لأرتاح وأبدأ بعمل آخر، ويهمني جدّاً وضع القارئ وقبوله لها لكن لا أهتم بذات الوقت للنتائج، كلنا نعلم الحالة المزرية للقراءة في بلدنا، ونظرتنا الآن للكتب وقيمة الكتاب المتأخرة
وهذا يدعوني للكتابة والنشر ولو على حسابي مقابل عدم التفكير بالنتائج والاهتمام لما قد يجري، من وجهة نظري حين أنشر رواية تأخذ صداها في وجداني وقلبي وأبيعها أو أهبها للزمن والحياة قيمة بلاشك عظيمة يوماً ما قد يستفيد منها إنسان، أو تقدّرها روح الحياة ذاتها! ومع تقييمي لرواية رسالة مطولة إلى عزيزي الرجل، هي أخذت مركزاً ثانياً بمسابقة لإحدى دور النشر، وهذا دليل على الصدى الرائع المسبق، ومن سيقرؤها سيجد فيها نبضاً أنثوياً جديداً قوي الطرح والفكرة، مدعمّاً بالبرهان لأسلوب الحوار مع الرجل العاقل بما لا يجرحه، فهي ثورة في عالم الدخول لدهاليز وعمق الرجل، الذي خاطبناه بعزيزي الرجل محتفظين بمآخذنا عليه ومحوّلين عتبنا للغة غنائية شعرية تحمل الكثير من العتب والحب والانسحاب المبرّر من حياته وانهزاماته.
– الرواية أم الشعر أيهما أقرب إليك؟ ولماذا؟
الاثنان واحد لديّ، الرواية خاصّيّتي ولكن بأسلوب الشعر، الرواية ساحتي والشعر كرتي، الرواية فسحتي والشعر لغتي، الرواية شغفي والشعر وجدي بها، الرواية صفحاتي والشعر حبري! لكن في تقييمي الشرعي والرسمي، الرواية عنواني ولو كان الشعر تفاصيلي حتماً. أما عن سؤالك لماذا؟ فلأنّ اهتماماتي إنسانية أدبية عاطفية، ليست لغتي علمية، أحب الوصف والصور والخيال المفصّل على طريقة الوجدان والوجدان لغته شعرية.
– ماذا في جعبتك؟
في جعبتي الكثير من النصوص ومشاريع الرواية، عندي رواية انتهيت منها لكني مترددة في طرحها الآن، لأنها جريئة نوعاً ما بموضوع التابوات والمحرمات ربما عند العرب، مع أنّي أراها تدخل على أبواب الصوفية
لهذا سأعيد النظر بها وأُُخلي ساحاتها مما قد يثير الإرباك ولتبقَ رواية مسالمة، أو أحاول طرحها ونرى الجواب، قد لا يرون فيها شيئاً مريباً، وللحق هي وجدانية صرفة صوفية لكن بنمط جريء مؤدب ربما يلاقي استحساناً ويُرحّب به في عالم الجرأة والفضيحة التي نعيشها بعالم الانترنت والفوضى المطروحة بالفكر، تبقى روايتي بأسلوب الأدب في مناقشة التساؤلات الوجودية مع الخالق، وكذلك في ذهني وعلى سطوري بدايات أخرى لمشاريع روايات وصلت للمنتصف تقريباً في الفكرة و الاسترسال تتدرج نحو المطلق والمتجرد، إحداها عن الفكر الشيطاني المتجسد بشخص الشيطان وكيف يفكر ويتحدث إلينا، ورواية أخرى من مذكرات الماضي، وهكذا… الفكر لا يتوقّف والأحداث نهر متدفق كيف نمسك بماء منه، هنا تكون الفكرة التجسيد.
هل أنصفك النقد أو المتابعة الإعلامية؟
هو قليل، ولكن على قلّته أنصفني، ولا أريد أكثر من ذلك، الكاتب يكتب لجمهور افتراضي في المستقبل البعيد ولا يهتم كثيراً بالتصفيق المؤقّت، نظرته ورؤيته تختلف عمن يكون في الحفلات ويغنّي.. ولهذا أميل للرواية وأفضّلها وأجيب دون قصد عن أول سؤال : لماذا الرواية؟ لأنها النمط الزمني المسترسل البعيد الذي يتيح الهدوء للكاتب لأن يغوص في رحلته دون ضجيج وإزعاج ومقاطعة، والحاسم والدافع لديه…. امتداد الزمن، فلا مراهنات على جمهور… المحاكاة والمقاضاة والنتيجة في العالم ما بعد وجوده.
– كلمة أخيرة منك؟
شكر لجريدة الثورة المتابِعة الجميلة لنشاطاتي وإصداراتي والراعية لكل كتاباتي، الجريدة التي أثبتت أنها الأجدر بمحبة الجمهور وتقديرهم ومحبتي منذ البدء بغض النظر عن تبنّيها لمنشوراتي ولكن لكونها تفتح صفحاتها لكل محبّ وصاحب.
العدد 1200– 6-8-2024