الثورة – ديب علي حسن:
للسنديان في غاباتنا ألف حكاية وحكاية من جبال الساحل ..من صلنفة وكسب إلى جبل الشيخ والسويداء وحيث يشمخ في أي مكان في وطني.
في قريتنا الغافية على تلل الجبال حيث الأرض تعانق الغيوم، فيها مساحات من الأشجار المعمرة التي يحرص الجميع على أن تبقى بهية ولاسيما أشجار السنديان والبلوط .
في وسط القرية شجرتا سنديان يقارب عمرهما الألف عام وربما أكثر .
وغير بعيد عنهما في المنطقة الزراعية المسماة ( عين سنيي) وهو اسم لم نجد له تفسيرا حتى الآن، والمنطقة تدل على أنها موغلة في القدم ومسكونة، إذ توجد فيها نواويس حجرية وهي المنزل الأول للإنسان، وكذلك معاصر وآبار حجرية ربما كانت معاصر النبيذ أو الزيتون.
قربهما غابة السنديان التي تظهر لمسافات بعيدة ..ثمة أشجار ضخمة جدا لا أحد يدري كم عمرها.
يوم كنا نتعب من عناء الحصاد أو رعي الأبقار نهرع إلى فيء الأشجار..
واحدة منهن كانت الأكبر والأكثر ضخامة مئات بل آلاف القصص والحكايات يمكن أن تروى وقد جرت تحتها أو قربها.
أمس عاندت التعب والوهن قليلا وقصدت المكان حيث يمكن أن تشعر أنك في براءة الحياة الأولى..
الطبيعة البكر التي لم يعبث بها الإنسان..كانت الشجرة الضخمة قد أناخت قسما كبيرا منها على الأرض.. لا أقول قد انكسرت أو أو هزمتها عاديات الزمن .. استراح قسم منها وانفصل كثيرا عن الجذع وبقي قسم آخر منها يروي حكايات لا يعرفها إلا من يجيد قراءة معنى السنديان وتأويل صلابته التي تشهد على أن أبناء سورية هم السنديان وهم الزيتون والغار والقطلب والشيح .
شعرت بجرح عميق يوغل في روحي وعقلي لما رأيته..
وفاضت بي الذكرى إلى تلك الصورة التي التقطتها ذات يوم لي ولأمي سنديانة العمر..
أمي التي رحلت في آذار كانت تروي لنا الكثير من حكايا جمع الحطب وحرص الجميع على عدم كسر شجرة السنديان أو أي شجرة أخرى.
يحرص الجميع على أن يكون التحطيب عادلا لا يصل إلى حد بتر الشجر.
في جولة البراري هذه التي اصطحبت فيها مرافقا لي خوفا من عارض يلم بي رأيت بقايا المشاحر التي تعد الفحم.
شرارة واحدة يمكن أن تشعل المنطقة كلها.
جشع وطمع الإنسان قاتل وكافر يضاف إليه إهمال الطرق الزراعية التي لو تم تنفيذها حين كان الأمر متاحا لكانت قد أراحت وحمت الكثير من غاباتنا وحقول الزيتون ولجعلت الإنسان أكثر تمسكا بأرضه التي لا يكاد يستطيع الوصول إليها إلا بعد عناء.
سنديانتنا التي كانت شاهدا على الكثير اناخت بعضها وتعبت ولكنها تركت جذعا منها يدون يسجل يروي .. والغاية مازالت ملأى وشامخة نأمل أن تبقى محاطة بعناية القدر والإنسان الذي حافظ عليها.
وما رحل منها له في كل بيت حكاية وقصة.