الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
كان باب الغرفة الضيقة يفتح ويغلق تلقائياً بسبب تيار هوائي بارد لا تدري مصدره، لم يكن لديها الجلد كي تبحث عنه، تركته حتى تخرجها لدغاته من ذهولها التام وهي ممسكة بكتاب قواعد العشق الأربعون لا تقلب أوراقه إلا بمشقة كبيرة، منتظرة أخباراً جيدة عن مريض كل هواجس الفقد تخطر لها وهي تعاين انتظارها.
حين ابتدأت بتقليب الصفحات بتسارع أحالتها جملة الكاتبة إليف شافاق «كُل شيء سيكون جميلاً قد لا يكون اليوم ولكن بالتأكيد سيكون ذات يوم» كيف قفزت تلك الجميلة من بين كل تلك الأسطر كأنها إشارة على تخطي قادم لامحالة.
ولم تعد تذكر في أي الروايات قرأت «سقوطك في النهر لا يعني غرقك، لكنك قد تغرق عندما تبقى مغمورًا فيه»
ولكنها بقيت زمناً ترددها مع عبارات لطالما اختطها قلمها، وعادت إليها كلما شعرت أنها قد تبقى مغمورة بالمياه لبعض الوقت إن لم تفعل شيئاً.
مرات لا تحصى ينقذنا الكتاب فيها من خيبات لولا حكم الكتب ومنطقها المعرفي لبقينا ننحني حتى كادت وجوهنا تلامس الأرض، تعتقنا تلك الكتب من اختناقاتنا، خيباتنا، ترمم خسائرنا، وتداوي جراح قلوبنا، وتبلسمها تلك المفردات التي نعتنقها وتصبح جزءاً من قاموسنا الكتابي.
حين تلاحقنا الغصات العكرة، وحين تشعر بعدمية أن تقول شيئاً، وتتعمق غربتك في أمكنتك الاعتيادية، وتبكيك دروب لا تطالها، وحين يشبه التشابه المضجر وسيلة للارتقاء، كلها انتكاسات تبعدها أسئلة الحياة التي تبثها الكتب فينا، لم يكن يحتاج الكتاب يوماً إلى كل هذا المديح لو أن الأيدي مازالت تتخاطفه، لو أن تلك المعارض التي تحفل بنزهات لا تنسى كسابق عهدها تزدحم بمريديه.
ولكن رغم كل التهميش الذي يعانيه الكتاب، يبقى فيه سر الحضارات وحكمتها وفي وسعه أن يعيينا على تجاوز إرث السنوات الأخيرة الثقيل…!
العدد 1201 – 13 -8-2024