الملحق الثقافي- نغم سلوم:
نزار بريك هنيدي شاعر سوري مجدد له بصمته الشعرية التي تميزت عن الكثير من التجارب الشعرية، وقد تفرد
بصوت مختلف عن غيره، مبضع الجراح أعطى التفعيلة الشعرية في منجزه دقة وموسيقا متناغمة ومعنى متجدداً، وإلى هذا أشار المشاركون في الندوات الاحتفالية التي أقيمت حول تجربته الشعرية في الكثير من المراكز والمحطات الثقافية، ومنها الندوة
التي أقامها المركز الثقافي العربي في أبو رمانة وقد افتتحها الأديب هنيدي ببعض القراءات الشعرية من مجموعاته الأدبية مبيناً أن الشعر لا يمكن أن يحقق ذاته إلا إذا كان فناً بالدرجة الأولى، ونابعاً عن تجربة حياتية واقعية أو فكرية تستوجب التعبير عنها.
بدوره بين الشاعر والإعلامي محمد خالد الخضر الذي أدار الندوة أن الدكتور هنيدي تقاسمته موهبة الشعر، والنقد وكان مبدعاً فيهما لافتاً إلى أهمية مسيرته الأدبية.
ورأت الإعلامية شذى حمود في مداخلتها أن الأديب هنيدي قامة شعرية مهمة على الساحة الثقافية والأدبية السورية لافتة الى انه كتب معظم أشكال الكتابة من الشعر خلال مسيرته من العمودي إلى شعر التفعيلة وقصيدة النثر والقصائد الطويلة والمنمنمة القصيرة فضلاً عن كونه ناقداً له العديد من الكتب والدراسات الأدبية، والإضاءة على تجربته الطويلة والزاخرة التي تمتد لأكثر من 45 عاماً، وتكتسب أهمية كبيرة وتعطي دافعاً لعجلة الكتابة والإبداع.
بدوره عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتَّاب العرب رياض طبرة أوضح أنَّ مشاركته لدراسة الأصول والفروع في تحديد شخصية الشاعر وإبداعه كانت قادرة على خلق شخصية لأنَّه لم يقصد الشعر ترفاً؛ بل تحدياً، وكان ابن تجربته وإحساسه، فمنذ طفولته الباكرة كانت اهتماماته بالشعر إلى جانب دراسته لذا أصدر ديوانه الأول وكان في المرحلة الثانوية، ثمَّ استمرت العلاقة بين الجوانب المتجانسة والشعرية والعمل الإبداعي وقليلون من يوائمون بينها.
من جهته الدكتور نزار بني المرجة أكد أن العلاقة بين الطب والأدب علاقة تكامل فالأولى للجسد والثانية لمداواة الروح لذا أتت تجربته غنيَّة بالشعر والنقد، واعتبره قامة شعرية أدبية نتيجة مساهمته بنقل المشهد الأدبي السوري إلى الساحات العربية في لبنان ومصر وتونس.
أما عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتَاب العرب الأرقم الزعبي أشار إلى أن الدكتور نزار ينقل القارئ والمستمع بين الغموض والوضوح من خلال قصائده ويتغلغل في التفاصيل خلال النص الواحد مثل قصيدته: «حلم بطعم الشام» حيث سلَّط الضوء على تفاصيل كثيرة، وأشعر القارئ بأنَّه يسير بين الدروب والأزقة والأماكن الطبيعية وسحرها مشيراً إلى أنَّ الكتابة عن تجربته تعطيه قيمة مضافة بينما الدكتور أسامة حمود رأى أنَّ تجربة الشاعر تدعو للفخر، مُؤكِّداً على ضرورة تكريم المبدعين
وفي حوار أجرته معه أمينة عباس منذ فترة من الزمن ونشر سابقاً تسأله:
تقول في أحد حواراتك: «الشاعر هو الذي يستطيع أن يعبّر عن أعلى مشاعر ورؤى وتطلعات الجوهر البشري برمته» فهل تعتقد أن شعراء اليوم يتمتعون بهذه الصفات؟
تتوقف الإجابة على تحديد ما نقصده من كلمة شعراء اليوم، فإذا كنا نقصد الشعراء الحقيقيين، وهم موجودون بيننا بالرغم من قلّتهم كما هو الحال في جميع العصور فهم قادرون على أن يكونوا صوت الجوهر الإنساني بحق، أما إذا كان المقصود بشعراء اليوم الذين يملؤون صفحات التواصل الاجتماعي ويتهافتون على المراكز والنوادي والتجمعات ففي أغلبيتهم لا يتمتعون بهذه الصفات ولا بغيرها من صفات الشاعر أو المبدع.
متى تتحول علاقة الشاعر بالناقد الذي فيك إلى علاقة خلاقة؟ ومتى تتحول إلى علاقة سامة؟
لا بد لأي شاعر يريد أن يحقق وجوده المتميز في الساحة الشعرية من أن يحمل في إهابه ناقداً خبيراً بأدوات العمل الشعري ونظرياته ومطلعاً على الإنجازات الشعرية السابقة في تراثه وفي ثقافات العالم ومراقباً لما ينتجه زملاؤه الشعراء المعاصرون وقادراً على اكتشاف إضافاتهم الإبداعية، إلا أن هذه العلاقة قد تحدُّ من إبداع الشاعر إذا أصبح همّه الوحيد أن يعمل على تصنيع نصه وفق المقاسات المرسومة على قصائد الآخرين حتى لو كانوا من أعظم شعراء الشرق والغرب لأنه بذلك يكون قد تنكّر لصوته الخاص ووقع في محظور التقليد الذي هو العدو الأكبر للعمل الإبداعي.
الحديث عن تجربتك الشعرية الغنية إلى أي ناقد تحتاج برأيك؟
أعتز بأن تجربتي الشعرية قد حظيت بكثير من الاهتمام وكتب عنها كبار النقّاد العرب، إلا أنها ما زالت قابلة للبحث والدراسة والقراءة المختلفة مثلها مثل أية تجربة شعرية أخرى، وفي اعتقادي أن الناقد المثالي المؤهل لدراسة الشعر ونقده لابد له من أن يكون صاحب ثقافة موسوعية وفكر فلسفي ناضج، وأن يكون مطلعاً على تاريخ الفن الشعري والمناهج النقدية والمدارس الشعرية العربية والغربية، وأن يكون خبيراً بأدوات الشعر وأبوابه وأساليبه، والأهم أن يمتلك حسّاً سليماً يمكّنه من تذوّق النص الشعري وقادراً على التحليل والمقارنة ووضع النص في مكانه المناسب في لوحة الإبداع الشعري، وهذه الصفات هي التي يجب أن يحرص نقادنا على اكتسابها كي يقوموا بالدور المنوط بهم في مواكبة الحركة الشعرية وإغناء الثقافة العربية.
يشير النقاد إلى حالة التطابق الفريدة بين ما تكتبه وتبدعه وما تعيشه، فكيف يصل الشاعر إلى هذه المرحلة؟
هناك مسألتان مهمتان في هذا الصدد لا بد من الإشارة إليهما، تتجلى الأولى في ضرورة أن لا يكتب الشاعر إلا عن تجاربه الحياتية التي يعيشها فعلاً ويشعر أنها جديرة بأن تتجسّد في قصيدة تحمل ما اعتراه إزاءها من مشاعر وهواجس تستحق أن ينقلها إلى المتلقي كي يشاركه فيها، وبالتأكيد فإن تجربة مثل هذه لن تكون متاحة للمرء إلا في زمانها ومكانها المحدّدين، أما الذين يكتبون عدة (قصائد) في الأسبوع الواحد أو اليوم الواحد أحياناً فلا أعتقد أنهم ينطلقون من تجارب خاصة بهم لأنه لن يتاح لهم أن يعيشوا تجارب متعددة في الأسبوع الواحد، ومن ثم فإن نصوصهم لن تكون أكثر من تنويعات على تجارب استعاروها من قراءاتهم للآخرين، لذلك فهي لن تشبههم بأي حال من الأحوال، أما المسألة الثانية فهي أن يحرص الشاعر في تعبيره عن تجربته الخاصة على أن يكون مخلصاً لصوته الخاص بنبرته وسماته وتلويناته دون أن يستعير من الآخرين أصواتهم، فلا أحد يستطيع التعبير عن تجربتك إلا إذا عبّرت عنها بصوتك الخاص.
من قصائده
«حلم بطعم الشام»:
مازالَ لي حلمٌ بطعمِ الشام
حينَ يفيضُ سحرُ الياسمين
على أزقَّتِهَاْ
فتحتفلُ الروابي والسهول
مازالَ لي شفقٌ
يُرْجعُ أغنياتِ فراشة الضوءِ التي
صُلِبَتْ على الحبلِ العتيق
ولم تزلْ
برفيفِهَاْ
تُحي الحقولْ
وختام الندوة كانت بقصيدة عنوانها: «تلويحة في وداع نزار قباني» أنشد فيها:
لم يُكملْ بعدُ قصيدتَهُ
فدعوه.!
لم يطوِ شراعَ الحروفِ، فلاتبكوه!
مازالَ النورُ يملكُه
مازالَ الوردُ يسيرُ إليه
مازالتْ أسرابُ الأحلامِ تُعَشْعِشُ
في عَيْنَيْهِ
مازالتْ أجنحةُ الكلماتِ تَرِفُّ
على شَفَتَيْهِ.
بطاقة
شاعر وناقد سوري، من مواليد جرمانا / ريف دمشق عام 1958.
– صدرت له مجموعته الشعرية الأولى بعنوان (البوابة والريح ونافذة حبيبتي) عام 1977 في نهاية المرحلة الثانوية، وبعدها توالت مجموعاته الشعرية في الصدور، إضافة إلى كتبه في النقد الأدبي النظري والتطبيقي.
– تخرّج من كلية الطب في جامعة دمشق عام ١٩٨٢، ونال شهادة الدراسات العليا في اختصاص الجراحة العامة عام 1986.
– نشر عدداً كبيراً من المقالات والأبحاث النقدية والدراسات الأدبية في الصحف والمجلات العربية.
– انتخب عضواً في مجلس اتحاد الكتاب العرب، في المؤتمر السادس للاتحاد، وأعيد انتخابه في المؤتمرات السابع والتاسع والعاشر، كما انتخب مقرّراً لجمعية الشعر لدورتين متتاليتين.
– استلم عدداً من المهام الأدبية، منها: رئيس فرع ريف دمشق لاتحاد الكتاب العرب، وعضو هيئة تحرير جريدة (الأسبوع الأدبي)، وعضو هيئة تحرير مجلة (الموقف الأدبي)، وعضو الهيئة الاستشارية لمجلة (المعرفة) التي تصدرها وزارة الثقافة.
– شارك في عدد كبيرٍ من الأمسيات والمهرجانات والندوات والمؤتمرات الأدبية والفكرية، في سورية ولبنان والأردن ومصر وتونس ورومانيا وتركيا والهند، ونال عدداً من شهادات التقدير العربية والعالمية.
– شارك في تحكيم عدد كبير من الجوائز الأدبية.
العدد 1201 – 13 -8-2024