الملحق الثقافي- رولا محمد السيد:
يحاول الدكتور عادل الفريجات في كتابه «في نقد السَّرد العربي» تقديم صورة بانورامية عن الهواجس المتباينة لمجموعة من الروائيين العرب، وعن طرائقهم المُجتَرحة في تناول موضوعاتهم، وبناء شخصيات رواياتهم، والرؤى والأفكار والمعاني التي حفلت بها.
اجتهد الكاتب في أن يكمل نقصاً في مشهد النقد الروائي القائم ليشكل لبنة في صرح الدراسات السردية المعاصرة التي تسعى لمواكبة الإبداع العربي في مسيرته الطويلة والعميقة والمتجددة.
فيه – كما يشير الكاتب في المقدمة – دراسات لواحد وعشرين أثراً فنياً عربياً، كتبها روائيون من سورية ولبنان ومصر والجزائر والأردن وفلسطين والكويت والعراق.
الروائيون منهم أربعة من سورية «عبد الكريم ناصيف، فواز حداد، عيسى درويش، بديع حقي» عالجوا بسرودهم المدروسة وهي على التوالي «اعترافات سميرأميس» التي تقف عند الفساد، و«جنود الله» تحكي غزو العراق، ورواية «أحلام منكسرة» تؤرخ للانفصال بين سورية ومصر، أما «الشجرة التي غرستها أمي» فهي سيرة ذاتية.
ومن لبنان قدم أمين معلوف تاريخ عائلته في محاولة تجمع بين سمات السرد وخصائص البحث العلمي التاريخي، ويصطنع أنطوان الدويهي لغزاً باختفاء طوعي لحبيبة ثم راح يبحث عنها، أما روائيو مصر العربية فهم: نجيب محفوظ، صنع الله إبراهيم، علاء الأسواني، ومن فلسطين الروائي حسن حميد والناقد يوسف اليوسف.
وفي دراساته يسعى الكاتب الفريجات إلى الإحاطة بالرواية في غير جانب «العام الذي كتبت به وما يمثله بالنسبة للروائي، والدراسة التي ينتمي إليها، وانعكاسها على منتوجه الأدبي، وفكرة الرواية ومضمونها وطريقة الكاتب في عرضه للشخصيات والأحداث، ويتوقف في دراسة تفصيلية لكل منها والتقنيات السردية التي استعان بها الروائي، ومن ثم تصنف الرواية ضمن بعض العناوين من مثل» دائرة الاتجاه الرمزي، الرواية التسجيلية، استثمار الترحال، السيرة الذاتية..».
يتضح ذلك في عناوينه التي طرحها، الفساد روائياً في اعترافات سمير أميس، المزاوجة بين العام والخاص في أحلام منكسرة، الوطن بين زمنين في يا مريم، هاجس العدل والإنصاف في ساق البامبو، التمرد الأنثوي والمكان الآخر في أرج الجسد، كتابة الرواية وكتابة التاريخ في النبطي، حين يصبح القهر الفلسطيني رواية مدينة الله الصادرة في بيروت عام 2009.
في «مدينة الله»، تكشف القراءة السريعة لتاريخ الأدب الفلسطيني عامة، وتاريخ السرد فيه خاصة، عن أن (القدس) بوصفها مكاناً يمثل قلب فلسطين، قد استثار بإبداع العديد من كتابه.
وتأتي رواية حسن حميد عن تقنية روائية تكون رواية متتابعة اللوحات والرحلات والجولات، مضجة بحدث رئيسي ينمو تدريجياً ويتصف بالتصاعد والتشابك والتعقيد واجتراح النهايات.
ركزت رواية «مدينة الله» على تقديس القدس، وتجلت فيها الإيديولوجيا يكشف الكاتب عن رؤية سرقة اليهود للحق الفلسطيني وسرقتهم لإرث الإنساني، ثم نرى فيها رواية سياسية بامتياز، ورواية عشق للمكان وهيام به. ولا تكتمل الصورة دون وقفة بل وقفات عن ما يجري في سجون الاحتلال.
يبدو أن كاتب «في نقد السَّرد العربي» كان دقيقاً جداً في اختيار رواياته موضوع الدراسة، فأغلبيتها قد حظيت بجوائز مهمة، وكانت لها أصداؤها، واتبع في تقديم دراساته المنهجية العلمية في تسلسل الأفكار حتى لايستطيع القارىء مغادرة البحث حتى يصل إلى نهايته بأسلوب شائق ولغة تنساب في عذوبة ويسر ليقدم أفكاره التي تستقر في القلب قبل العقل، وذلك باختياره للشواهد التي تفي بالغرض وتؤدي مهمتها بالشكل الأمثل، يقول في حديثه عن رواية «سائق البامبو»:
لملم «سعود السنعوسي» أطراف روايته هذه المتناثرة مابين الكويت والفلبين، ناسجاً منها لوحة متناغمة من الأحداث والوصف التحليلي والمفاجآت والصدف والوسائل والأحلام والأقوال المأثورة، باثاً في ثناياها آلاماً محبطة من جهة وآمالاً محققة ومفرحة من جهة ثانية، معولاً على رحلة فعودة، ثم رحلة ثم عودة، وهما رحلة جوزفين لتكون خادمة في الكويت، وعودتها مع وليدها عيسى إلى وطنها الأم..
في نقد السرد العربي فيه جولة واسعة تناولت بالتحليل روايات عربية لكتّاب من مصر والعراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين والجزائر، وبسطت الهواجس التي أرقت أولئك الكتّاب غير غافل عن التقنيات التي توسلوا بها لبسط رؤاهم وأفكارهم، وهو يأتي مكملاً لكتابه «الخطاب وتقنيات السرد في النص الروائي السوري المعاصر».
ومن حسن الطالع أن ناشر كتابه الأخير، وهو صاحب دار سوريانا نقل له رواج كتابه المذكور عند القراء وكثرة النسخ التي تباع منه في كل معرض كتاب داخل سورية وخارجها.
وقد حاول الكاتب أن يعنون دراساته بعناوين واسمة موجزة لم تطمح، بسبب إشارتيها الجزئية، لاستيفاء عناصر الخطاب الروائي وتقنيات السرد في الآثار المدروسة.
فأظهرت شيئاً وأخفت أشياء … بيد أنه زعم أن مجموع الجزئيات في ثنايا الدراسات المنشورة هنا تقدم صورة عن هواجس مجموعة من الروائيين العرب وعن طرائقهم المجترحة في تناول موضوعاتهم.
وبناء على شخصيات رواياتهم وبث الرؤى والأفكار والمعاني المجردة والمجسدة التي حفلت بها جهودهم السردية المحتفى بها ها هنا.
الكتاب: في نقد السرد العربي، لمؤلفه د.عادل الفريجات، والناشر مؤسسة سوريانا للعام 2018، ويقع في 204 صفحة من القطع الكبير، وللكاتب مؤلفات عديدة نذكر منها، إضاءات في النقد العربي، مرايا الرواية، سحر الكلمات «قصص»، هواجس ناقد، ونوافذ على تراثنا الأدبي شعراً ونثراً.
العدد 1204 –10 -9 -2024