خصوصية التحكيم في العقود الإدارية وعلاقتها بمجلس الدولة.. الدكتور صالح: واجهتنا العثرات لكن القانون 32 أوضح العديد من النقاط

الثورة – دمشق – محمود ديبو:

خلال ورشة عمل التحكيم التجاري الدولي وإعداد المحكم والمقامة في غرفة تجارة دمشق، خصص نائب رئيس مجلس الدولة الدكتور محمود صالح محاضرته للحديث عن إجراءات التحكيم الإداري، مشيراً في بداية حديثه إلى أن التحكيم في العقود الإدارية كوسيلة لحل النزاعات أتى في مرحلة متأخرة عن التحكيم في مجال العلاقات الخاصة بين الأفراد، وقد رافق ولادة هذا التحكيم عثرات مردها إلى مجموعة من الآراء كادت تمنع- إن لم نقل تقضياً- على التحكيم في العقود الإدارية لأسباب متعددة، وتنطلق أغلبها من طبيعة العقود الإدارية والهدف من إبرامها، على اعتبار أن هذه العقود تتوخى من حيث النتيجة تحقيق المصلحة العامة والعمل على استمرار عمل المرافق العامة بانتظام.
مراحل تشكل التحكيم الإداري
ويبين نائب رئيس مجلس الدولة أن التحكيم في العقود الإدارية لم يكن يختلف عن الدعوى أمام القضاء الإداري رغم تحرره من الأفكار والآراء التي كانت تحول دون ولادته أو وجوده، وقد بقي الأمر مؤثراً بصورة أو بأخرى على التحرر من كل العقبات التي تحول دون إجراء التحكيم في تلك العقود على غرار ما هو متبع في التحكيم التجاري.
ولكن مع صدور قانون مجلس الدولة رقم 32 لعام 2019، بدأت الأحكام المنظمة للتحكيم في العقود الإدارية تتضح أكثر فأكثر في نقاط كثيرة، وأهمها التحرر من قيد شكلي وموضوعي في آن معاً، وهو موافقة أو استفتاء اللجنة المختصة في القسم الاستشاري للفتوى والتشريع حول إمكانية اللجوء إلى التحكيم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اختصار مدة التحكيم بعد أن أضحى حكم المحكمين لا يقبل الطعن أمام المحكمة الإدارية، وإنما وجدت دعوى البطلان لمراقبة الجوانب العامة والإطارية المتعلقة بالتحكيم دون الخوض في موضوع النزاع ذاته.
وقد كان التحكيم الإداري أقرب إلى القضاء الإداري منه إلى التحكيم، لأن الإجراءات التي كانت تتم خلال التحكيم لا تختلف عن إجراءات التقاضي، بما في ذلك الطعن بالأحكام الصادرة عن هيئة أو لجنة التحكيم أمام المحكمة الإدارية العليا، وتعاطي المحكمة هذه مع هذا النوع من الطعون كأي طعن آخر بما في ذلك نشر الدعوى، وإمكانية إجراء خبرة، وغير ذلك من إجراءات، مما ينال من الغاية والدعامات الأساسية التي بني على أساسها التحكيم، وعلى رأسها السرعة في التقاضي والسرية، والاقتصاد في النفقات.
مواضيع التحكيم الإداري
وعن المواضيع التي يجوز فيها التحكيم في العقود الإدارية بين الدكتور صالح أن رأي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع رقم 1 لعام 2022 حدد المسائل التي يجوز فيها التحكيم أمام مجلس الدولة وفق القواعد العامة والأحكام القانونية النافذة والأصول المتبعة أمامه، وهي المسائل التي يجوز فيها الصلح، ولا تخالف النظام العام، وأن تكون المسائل الناجمة عن العقد محل التحكيم أو متفرعة عنه.
ويتابع: بالتالي فإنه يمكن القول بأن التحكيم يجب أن يكون في منازعات ناشئة عن عقد إداري، أو ناشئة عن عقد يبرم وفقاً لنظام العقود الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004، أو الناشئة عن العقود المبرمة من قبل المنظمات الشعبية والنقابات المهنية، شريطة أن تكون هذه العقود مبرمة وفقاً لنظام عقود الجهات العامة.
وينوه الدكتور صالح بأنه تأسيساً على ذلك لا يكون التحكيم أمام مجلس الدولة في العقود أو العلاقات الخاصة التي تقوم بين الشركات والأفراد، وكذلك الأمر بالنسبة لعقود المنظمات والنقابات التي لم تنظم أو تبرم وفق قانون عقود الجهات العامة.
وعليه فإن التحكيم في منازعات العقود الإدارية يبقى خاضعاً لأحكام المادة 66 من نظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004، والتحكيم الذي يسري وفق هذه المادة يدخل في إطار التحكيم الاختياري، ولا تسري أحكام قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 على منازعات العقود الإدارية.
وبحسب نائب رئيس مجلس الدولة- سمح قانون مجلس الدولة رقم 32 لعام 2019 باللجوء إلى التحكيم بالعقود التي تختص بمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في منازعاتها هي عقود الالتزام وعقود الأشغال وعقود التوريد وأي عقد إداري آخر، وعقود النقابات المهنية والمنظمات الشعبية إذا كانت مبرمة طبقاً لأحكام أنظمة عقود الجهات العامة، ولم يخرج رأي الجمعية العمومية عما ورد لجهة تأكيد الاختصاص.
محكمة القضاء الإداري
وأما المحكمة المختصة في الطلبات المستعجلة في قضايا التحكيم في العقود الإدارية -وفقاً لما جاء في حديث الدكتور صالح- فقد أسند قانون مجلس الدولة مهمة الفصل في الطلبات المستعجلة المتعلقة بقضايا التحكيم إلى مجلس الدولة، وطلبات تفسير أحكام المحكمين أو عزلهم أو اعتزالهم أو ردهم إلى محكمة القضاء الإداري، وتختص هذه المحكمة بدعوى بطلان حكم التحكيم، ويعد قرار المحكمة برد دعوى البطلان هو إكساء لقرار التحكيم صيغة النفاذ، والأحكام التي

تصدر بهذا الشأن وإن كان لها طابع العجلة، ويجب أن تصدر بصفة الاستعجال، إلا أنها تقبل الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ويتعين على المحكمة أن تفصل فيها على وجه السرعة.
اتفاق التحكيم
وعن اتفاق اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية، أوضح الدكتور صالح أن الفقرة ب من المادة 66 من نظام العقود أجازت اللجوء إلى التحكيم شريطة النص على ذلك في العقد ودفتر الشروط وهذه الصورة الوحيدة لاتفاق التحكيم في العقود الإدارية، في حين أنه في التحكيم التجاري هناك إمكانية أخرى وهي مشارطة التحكيم، ويتم الاتفاق على التحكيم بعد وقوع النزاع شريطة تحديد النقاط الخلافية، وهذا ما نص عليه قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008، لكن السائد لدى مجلس الدولة هو قبول مشارطة التحكيم استئناساً بأحكام قانون التحكيم رقم 4 قد خلصت الجمعية العمومية إلى أن اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية يمكن أن يكون بإحدى الصورتين السابقتين.
تسمية المحكمين
وقال الدكتور صالح: إن إجراءات تسمية المحكمين إن الأصل المقرر عملياً بتشريعات التحكيم هو منح الخيار والأفضلية لأطراف التحكيم للقيام بتسمية محكميهم بالاتفاق، وكذلك تسمية محكم مرجح عنهم، وإذا لم يتم الاتفاق بين الأطراف فيكون الطريق الآخر هو اللجوء إلى المحكمة المختصة، وقد حددت المادة 66 من قانون العقود رقم 51 تعيين لجنة التحكيم، ويسمى محكم المتعهد ومحكم الجهة العامة من قبل كل منهما، ويسمى رئيس لجنة التحكيم من مستشاري مجلس الدولة بقرار من رئيس مجلس الدولة، وهنا يجب أن يكون التحكيم في العقود الإدارية من ثلاثة محكمين دائماً ولا يقبل التحكيم من محكم واحد أو اثنين أو أربعة.
وتكون إجراءات تسمية المحكمين إما عن الطريق الإداري، أو عن الطريق القضائي، ولكل منهما خطوات محددة يجب الالتزام بها.
مدة التحكيم
وعن مدة التحكيم في العقود الإدارية أشار نائب رئيس مجلس الدولة إلى أن مدة التحكيم تعد من أساسيات نظام التحكيم على اعتبار أن أحد الأسباب الداعية لحل النزاعات عن طريق التحكيم هي سرعة الفصل فيها، وقد حدد رأي الجمعية العمومية الحد الأقصى لمدة التحكيم بـ /90/ يوماً تبدأ من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم، وتكون قابلة للتمديد بموافقة الأطراف لمرة واحدة ويجوز للهيئة تمديدها إذا كان ذلك ضرورياً للفصل في النزاع على ألا تتجاوز مدة التحكيم سنة ميلادية واحدة.
وفي حال انتهاء أجل التحكيم من دون صدور حكم التحكيم أشار إلى أنه يحق لأي طرف من طرفي التحكيم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ما لم يتفقا على التحكيم مجدداً، وإذا انقضت آجال التحكيم ولم تفصل هيئة التحكيم في النزاع دون عذر مقبول، كان للمتضرر من أطراف التحكيم مراجعة القضاء المختص لمطالبتها بالتعويض.
خطوات وآليات
وتناول الدكتور صالح في حديثه إجراءات التحكيم والخطوات العملية اللازمة لها بدءاً من تسمية المحكمين والبدء بأول جلسة وهي محددة من قبل الجمعية العمومية، كما شرح إجراءات الفصل بالقضية التحكيمية، والإجراءات التحفظية، والطلبات العارضة والإدعاء بالتقابل وطلب التدخل، وآلية إصدار الحكم التحكيمي الذي يصدر باسم الشعب العربي في سورية وباللغة العربية ويجب أن يتضمن أسماء أعضاء هيئة التحكيم وأسماء الأطراف، وملخصاً لطلبات الأطراف وأقوالهم ومستنداتهم، ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره ويجب أن يكون الحكم مسبباً، إضافة إلى إجراءات أخرى.
منوهاً بأنه تنتهي إجراءات التحكيم إما بصدور حكم التحكيم المنهي للخصومة، أو إذا اتفق الأطراف على إنهاء التحكيم بتسوية أو دون تسوية النزاع، وتصدر الهيئة عندئذ حكمها بعدم متابعة البحث في الدعوى التحكيمية.
وعن دعوى البطلان التي يمكن أن تقام نتيجة لوجود أخطاء في الدعوى التحكيمية، بين أنه يتوجب إقامتها خلال مدة /30/ يوماً تبدأ من اليوم التالي لتاريخ صدور حكم التحكيم، وذلك وفقاً للأحوال المقررة في المادة 15 من قانون مجلس الدولة، وإذا قررت المحكمة رد دعوى البطلان فإن قرارها يعد إكساء لحكم المحكمين صيغة التنفيذ، أما دعوى طلب إكساء حكم التحكيم صيغة النفاذ فتقام أيضاً أمام محكمة القضاء الإداري وفق الأصول المعمول بها أمامها.
أتعاب التحكيم
وأخيراً.. شرح الدكتور صالح أنه يتم رصد مبالغ مالية للدعوى التحكيمية مقابل أتعاب ونفقات التحكيم من طرفي التحكيم للفصل بالقضية، والمتبع في مجلس الدولة أن يودع الطرفان أو أحدهما بحسب الاتفاق سلفة بحيث توزع أتعاب ونفقات التحكيم منها بموجب قرار تحفظ صورة عنه في ملف الدعوى التحكيمية، وفق الأسس والآلية التي يقررها المجلس الخاص في مجلس الدولة، ولا ترد سلفة أتعاب التحكيم إلى الجهة التي أسلفتها لأي سبب من الأسباب بعد الشروع بإجراءات التحكيم.

آخر الأخبار
70 بالمئة من طاقة المصانع معطّلة... والحل بإحياء الإنتاج المحلي  استفزاز إسرائيلي جديد.. زامير يتجول بمناطق محتلة في سوريا الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس حمص.. حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال تستهدف ١٤٣١٤ طفلاً الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات عن سوريا 4 آلاف معلم ومعلمة في إدلب يطالبون بعودتهم للعمل تأهيل محطة مياه الصالحية.. وصيانة مجموعات الضخ في البوكمال بدء التقدم للمفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية والهندسية "العمران العربي بين التدمير وإعادة الإعمار" في جامعة حمص توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم منح دراسية تركية لطلاب الدراسات العليا "التعليم العالي".. "إحياء وتأهيل المباني والمواقع التاريخية" "مياه اللاذقية"... إصلاحات متفرقة بالمدينة "صحة اللاذقية": حملة تعزيز اللقاح تستهدف أكثر من 115 ألف طفل تفعيل عمل عيادة الجراحة في مستشفى درعا الوطني "المستشفى الوطني بحماة".. إطلاق قسم لعلاج الكلى بتكلفة 200 ألف دولار إطلاق حملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال بالقنيطرة الألغام تواصل حصد الأرواح.. رسالة من وزارة الدفاع للسوريين حول الملف الصعب وطويل الأمد صندوق النقد والبنك الدوليين يبحثان استعادة الدعم لسوريا سفير سوداني: نعارض أيّ شكلٍ من أشكال تهجير الفلسطينيين