الثورة – رفاه الدروبي:
لا تركن رنا محمود أو تكتفي بجنسٍ إبداعي واحد فقد كتبت الشعر، وكان لها في ديوانه ثلاث مجموعات شعرية.. إلى جانب الرسم بالكلمات حملت الريشة حيناً لصياغة اللوحة التشكيلية أو خوّضت في الطين والنحت لتصنع منحوتاتها، وترمي جمرتها الأخيرة في مضمار الرواية- الجنس الإبداعي- لتخوض فيه للمرة الأولى كاتبةً رواية “سقوط الجمرة الأخيرة”، الصادرة عن دار توتول بدمشق، فقد وُضِعَتْ في غربال ناقدين خبيرين في القراءة والحكم: “الدكتور الناقد عاطف بطرس، والكاتب أيمن الحسن”، مُقدِّمةً بدأها علي الراعي لأمسيتها النقدية، واعتبرها رواية من روايات الحرب السورية ذات البنية المتماسكة المتميِّزة بتقنيات متعددة.
معايير نقدية
الدكتور عاطف البطرس رأى أنَّها اعتمدت في روايتها على الخطف خلفاً وفق معايير نقدية؛ ولا يمكن مقارنتها بالرواية العالمية لأنَّ هناك سياقات وثقافات وإبداعات وإمكانات مختلفة في العالم؛ ولا بالرواية العربية خشية إيقاع ظلم على الكاتبة باعتباره العمل الأول، لذا يُمكن مقارنتها بتجربة الرواية السورية وبشكل خاص حول الموضوع المكتوب عنه.
فالرواية موضوعها واضح وبيِّن وصريح، وإن حملت بين طياتها الحرب وما تركته من آثار ليست على الحجر والشجر وإنَّما على أبطال وشخصيات الرواية.
والمشكلة الثانية اعتمادها على عنصر السرد حيث تعكس التجربة الحياتية للكاتبة، وإن لم تكن مأخوذة بكاملها؛ بل اقتطعت منها ما رأته خادماً لبنية العمل، واقتحمت مساحة شديدة الخطورة في عكس العلاقة بين المثقفين والفنانين، متَّخذةً مساراً آخر يوازيه لتكون الحرب وتأثيراتها على الناس. والمساران مختلفان في الشكل متفقان في التأثير، فالشخص الذاتي يندمج بالعام، ولم تؤثر الحرب على شخصيات الرواية وكاتبتها فحسب بل على كل الناس، كما استطاعت أن توازن بدقة بين الشخص الفردي والعام الناس. أما بنية الرواية فكتبت بشكل فني بين القضايا وأكثر خطورة إن لم تجد معادلها الفني تفقد كثيراً من بريقها وبنيتها المتماسكة، وتحتوي حبكة ونهاية متوقعة، كما وصفت رحلة سياحية وكأنَّها تكتب بالكاميرا. ومن الممكن أنَّ لها علاقة بالريشة لتعكس لنا فن التصوير لديها، إضافة إلى الحوار في النص لوجود وصف وسرد منحا العمل أهميةً وتنوعاً وحكماً يمكن التوقف عنده.
العتبات النصية
ولفت الأديب أيمن الحسن إلى أنَّ العنوان يوحي بالتحول من حالة برد وجمود إلى توثُّب وربيع أخضر. وتبرز دلالة الجبر مع الإهداء حين ربطت الكاتبة طريق النصر بالسالكين طريق الحب، المتشبِّثين بلذاته، والمصابين بلعنة المفارقة قلوبهم، دلالةً على أنَّ القدرة على الصبر والتحمُّل توصل إلى الانتصار، وتكتب كي تواكب مناخات نفوسنا في حالات الحرب، فالاسم بدلالته المعبِّرة عن جاهزيتها للرمي دائماً مهزومة أمامه سيهزمه الأدب.
وعبَّرت العتبات النصية المنشورة عن مقدمات للفصول فكانت معبَّأة بالحكم الجميلة والأقوال المأثورة المهمة المتسمة بثقافة مميزة انطلقت منها مقابلة الحبيب البعيد، ومعاتبته تظل ترافقها عبر سرد تتوهج فيه العاطفة، وتتألق صور شعرية لكنَّها تقطع رحلتها الطويلة إلى دمشق لأنَّ نداء الأمومة كان أقوى من الرغبة بلقاء الحبيب.
سمات إيجابية
بدوره الدكتور غسان غنيم بيَّن أنَّ الكاتبة جعلته يقرأ الرواية بشغف لأنَّها تمتلك سمات إيجابية في نواحٍ كثيرة، واعتبر العمل إبداعياً لكنَّ وجع البدايات مؤلم، وتحتاج لمن يصونها حتى يكون خط السير جيداً، وأهمّ نقطة في الرواية تفرُّدها بلغة متوازنة لكنها تحتاج إلى وقفة هادئة بعيدة عن المجاملة، وأغلب الروايات تمتلك الثرثرة وتفيد بالحدث ولا تُكتب رواية لمجرد الثرثرة بل لا بدَّ من احتواء مضمونها على المعلومات، فيما غرقت الرواية بالمنودراما القائمة على استدرار عواطف المتلقي وعلى مسوغات منطقية، والمنودرامية سببها طبيعة موجودة لدى الكاتبة، ومن الضروري الابتعاد عن الحدث أثناء الكتابة ومشاهدته كمباراة شطرنج لرؤيته من زوايا غير زاوية الكاتب، كما يجب رسم مخطط لشخصيات العمل مثلما يفعل الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، لكن الكاتبة أظهرت تلقائية شديدة وهناك مصادفات لا تخدم الحدث ويجب أن يكون الوصف جديداً للوصول إلى تركيب في ذهن المتلقي.