الثورة – دمشق – ميساء العلي:
“اقتصاديات التنمية المحلية.. المحددات والغايات” عنوان ندوة الثلاثاء الاقتصادي في المركز الثقافي بأبي رمانة، ألقاها الدكتور زياد أيوب عربش.
الدكتور عربش قسَّم محاضرته إلى ثلاثة عناوين، تحدث فيها عن تعقيدات الحرب، والتوازنات الهشة، وأولويات المرحلة القادمة بالمرتكزات التأطيرية للرؤية التنموية، ومن ثم الحديث عن اقتصاديات المكان والتنمية المحلية.
– سلسلة من الآثار والمفاعيل..
فمن دراماتيكية مفاعيل الحرب على سورية إلى ديناميكية إعادة البناء كنموذج تنموي، يرى عربش أنه تعرضت قطاعات البنية التحتية لسلسلة من الآثار والمفاعيل تآكل معها- ولو جزئياً- دورها المكتسب كتراكيب إنتاجية وخدمية توّفر سلعاً وخدماتِ أساسية كانت متاحة قبل الحرب على سورية، وجزئياً ومرحلياً ابتكر المجتمع في مناحي عديدة الحلول مع اكتساب مهارات العمل في ظروف صعبة للغاية، بالتوازي مع اتخاذ إجراءات التيسير والتسيير، لكن الاستدامة تبقى مرهونة بتجاوز العديد من المطبات للخروج من “عنق الزجاجة”، لإعادة تأهيل كافة المنظومات الفرعية، والانتقال من الحلول الإسعافية نحو تعزيز الاستدامة بشقيها الاقتصادي (الإنتاجي والخدمي، من الطاقة والصناعة إلى الري والصرف الصحي مروراً بالاتصالات والنقل)، والاجتماعي (الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية)، على أن تلعب البنية التحتية دوراً حاسماً كرافعة لاستقطاب النمو والتشغيل والتآزر، وبالتالي بلوغ غايات الرؤية الوطنية وتعزيز التنمية بزواياها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبأبعادها الجغرافية، والقطاعية، والزمنية كصيرورة انتقالية من التعافي إلى الاستدامة.
– توصيف المسائل الاقتصادية..
وتطرق إلى توصيف المسائل الاقتصادية التنموية في المرحلة المنصرمة على المستويين الكلي والجزئي من خلال تنفيذ متكامل وحشد الموارد (رغم محدوديتها) والجهود للمتابعة، إضافة إلى تنفيذ جزئي دون التراكمية أو الشمولية المطلوبة، أي تنفيذ مجتزأ ودون مسار(تخبط أحياناً بنتائج معاكسة مع مساحات فارغة بعدم اتخاذ الفعل، إضافة لتنامي العمل التنموي الأهلي).
– بعد كارثة الزلزال..
ويضيف عربش:إن سياق الاقتصاد السوري تعقد بعد كارثة الزلزال، بالتزامن مع مكونات جديدة من “الحرب الناعمة” وبأدوات خشنة، وصراعات نفوذ المحتلين الأمريكي والتركي، بهدف السيطرة على مصادر الناتج المحلي والضغط على دول الجوار لتقطيع أوصال التبادل التجاري ومنافذ العبور لسورية ومن سورية، ضمن منطقة “الغافتا”، وباتجاه الشرق وتراجع المستوى المعيشي و المكتسبات الاجتماعية (مستوى المشاركة، الانكفاء، المشاكل المجتمعية)، إضافة إلى معالجة مسألة الديون وضرورة إصلاح منظومات حوكمة النشاط الاقتصادي وبلوغ الاستدامة ومواجهة التغيرات المناخية بضمان حقوق سورية، (انطلاقاً من اتفاقية كويوتو)، وتنفيذ الاتفاقيات الدولية ومنها المتعلقة بالمناخ و البيئة، ناهيك عن مواجهة ثلاثية الفقر والبطالة والأمية بنتائجها الاقتصادية والاجتماعية، وتفاقم مشكلة الهجرة، ورفع مستويات التشغيل والنشاط الاقتصادي وتعزيز بنيات عودة المهجرين.
– دراسة لأثر القرار..
ويتساءل الدكتور عربش هل تتم دراسة أثر أي قرار؟، فلم يعد مبرراً تنفيذ إجراء ما دون أي أداة للقياس والمراجعة، وهذا ما رأيناه مع إعادة النظر بسياسة المسار الوظيفي، خاصة مع تناقص عدد الكوادر المؤهلة في الصف الأول من الإدارات العامة، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار بالبعد الاجتماعي وحتى الاقتصادي لأي قرار حتى اقتصادي، ففرض ضريبة ما تزيد من مستوى التحصيل لكن المغالاة بهذه السياسة تعني تآكل المطرح الضريبي.
ويرى الباحث الاقتصادي أن هناك غياب للمبادرة، وإيضاح القرارات والإجراءات الحكومية، فلا أحد يعرف إلى أين يسير الدعم، أو متى يتم رفع ولو بشكل جزئي للقدرة الشرائية أو كيفية الحد من تذبذب سعر الصرف، ناهيك عن البطء الشديد في المعالجات، وبعد أكثر من سنة من كارثة الزلزال لم تتضح بعد المخططات التنظيمية، على الأقل للبدء بالمعالجات المستدامة.
– مواجهة المشكلات..
وبين أنه لابد من العمل على مواجهة تنامي ظاهرة هجرة الشباب واليد العاملة خارج البلاد، ودرء نزيف الكوادر المؤهلة والارتقاء بالتعليم والتأهيل الرفيع والنوعي والتركيز على التعليم المهني لسد فجوات الكوادر الوسيطة والولوج في اقتصاديات المعرفة والتحول الرقمي، مع ضرورة اتخاذ إجراءات استعادة الثقة وبشكل تراكمي وليس تمرير مرحلة، وتفعيل جدي لعمل المجتمع الأهلي وبشفافية ملحة طالما هناك فرص كامنة عديدة وإمكانية لتحسين ما يتم العمل عليه الآن، إضافة إلى أن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر بالسياسات الحكومية، دور الدولة، القطاع العام، السياسات الضريبة والنقدية، دور قطاع الأعمال، دور الأحزاب، دور المجتمع الأهلي.
ويتابع كلامه بالقول: إن النهج المبتغى من تطوير مكانة الإدارة المحلية وتحديداً القانون رقم 107 لعام ٢٠١١ للنهوض المجتمعي في الداخل، هو حاجة ضرورية.
ويعتبر أن أفضل مسار لحوكمة الاتجاهات الحالية هو تلاحم المجتمع وتعزيز دور المحليات ورفع شأن التنمية من القاعدة، والتنمية الضمنية والمحلية الضامنة للاستغلال الأمثل للموارد المحلية، كاقتصاديات المكان والحيّز باعتبارها أقطاب للتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويتساءل إن كان هناك خلل في الإدارة المحلية، وفي آليات الاختيار، أم البيئة والقانون (107) واللغة المشتركة لجهة المفاهيم والمصطلحات عند كل الأطراف (دور المحافظ، مديريات القطاعات التابعة للوزارات).
– ملف الفساد..
وحول ملف الفساد تساءل الدكتور عربش.. هل يكفي ملاحقة الأشخاص، أم لابد من تطوير البيئة الناظمة؟، لذلك هناك حاجة لمزيد من الحوار، واقتراح صيغ ناظمة وقانونية تنجز تشاركياً مع المجتمع المحلي، إضافة إلى دور المجالس وعلى كل المستويات، ناهيك عن تطبيق اللامركزية ودورها في تقديم الخدمات ومتابعتها.