الثورة – حسين صقر:
من المعروف في أبجديات الإعلام والاتصال أن المعلومة إذا همس أحد بها في أذن شخص آخر، وطلب منه أن يهمس بها في أذن آخر مقرب منه أبو بعيد، فإنها حين تصل لسادس شخص أو السابع تكون تغيرت تماماً، وكثير من الأحداث حضرناها ثم رويناها لم تصل لسامعها بتفاصيلها الكاملة، وقد تكون الذاكرة ممتلئة ببعض التفاصيل والهموم ولانستطيع إيصال الوصف كما لو كان.
هذا ما نتكلم عنه إذا كنا حاضرين وبنفس الوقت أو التاريخ من اليوم أو الأسبوع أو الشهر والسنة والعقد، فكيف إذا وصلت لنا عن راوٍ، والراوي عاشها ومات.
هذا الحديث يبين كيف تنمو الشائعة وتتغير وتأخذ أشكالاً في طريق سيرها وانتقالها من شخص إلى آخر، كما تبين ضعف الروايات المتوارثة التي تبدأ عادة بجملة: «روى فلان عن فلان»، الأمر الذي يدعو لإخضاعها للعقل والمناقشة العلمية.
وهذا بالطبع يجعل الإنسان يعيش مسلحاً بمجموعة من الأفكار والآراء والصور النمطية والمعتقدات عن العالم الذي يعيش فيه، وتشكل هذه ما يمكن أن يطلق عليه المخزون المعرفي، الذي تكون نتيجة ورود المعلومات إليه عبر قنوات الاتصال الذاتي الحواس الخمس من المحيط الاجتماعي.
اليوم نعيش العصر الرقمي ومحتواه الذي ينتشر بسرعة عبر وسائل التواصل والاتصال بكل أنواعها وتطبيقاتها، ولاسيما قنوات التلفزيون والشبكة العنكبوتية والتي تلعبان دوراً سلبياً في توجيه الأشخاص نحو ما تربد، وإيصال الأفكار والمعلومات التي تريدها إما لإضعاف الروح المعنوية والحماسية، وإما لتعويم حدث أو شخصية ووضعهما تحت الأضواء، ولعل ما يجري اليوم على الساحتين العربية والإسلامية وخاصة بشأن الصراع مع الصهاينة أكبر دليل على ذلك، ونرى تلك القنوات تعمل على توظيف هؤلاء لتزويد المتلقي بالأخبار والتقارير التي تخدم مشروعهم الفتنوي والاستعماري الصهيو-أميركي الرجعي.
“الثورة” التقت بعض الفعاليات التي أكدت أن المعارف الحقيقية هي التي تصل من أطراف حيادية، وهو ما تعارفت عليه المجموعة التي ننتمي إليها على قبوله وتصديقه، ولذا فإن المعرفة والمعتقدات الاجتماعية ترتكز على الإيمان بها، وليس على الإثبات، ولهذا تشكلت الشائعة.
– تولد لعدم وجود إجابة..
المهندس سامي أحمد قال: تولد الشائعة كلما أراد الناس أن يفهموا مسألة ما ولا يتلقون إجابات رسمية حولها ترضي فضولهم، لذا تستحوذ المسألة على انتباههم، فيولد من ثنايا ذلك الغموض شائعة، وتنتشر على نطاق واسع إذا ما ارتكزت على أكثر التأويلات إرضاء، وأضاف يمارس اليوم العدو الصهيوني في حربيه العدوانيين على غزة ولبنان هذه سياسة التضليل ونشر الشائعات لفك الارتباط وإضعاف العقيدة لدى البعض.
ونوه بأن الشائعة تكون أحياناً مسلية ومثيرة للفضول والاستغراب، وأحياناً تستند لبعض الأدلة المفبركة، ولهذا تبدو معقولة في نظر أولئك الذين تبلغ مسامعهم كي يصدقوها، ويقتنع المتلقي أكثر حين تصله المعلومة نفسها من أشخاص عدة وتبين أن النساء يسرعن أكثر من الرجال في نشر الشائعة لأنهن يمتلكن عاطفة أقوى من غيرهم.
– يصنعها حاقد ويتلقفها منافق..
المحامي حسن الرفاعي بيَّن أنها آفة وحشية، وبلية خطيرة، ومرض فتاك، وداء عضال، وسلاح مدمر، تلك الشائعة التي تنتقل كالنار في الهشيم، فكم أزعجت أبرياء، واتهم بسببها أنقياء، وتهدمت نتيجتها أسر وتدمرت بيوت، ووقعت جرائم، وتقطعت علاقات وصداقات، كما هددت مصائر أوطان، وأوضح كما يقول المثل: الشائعة يصنعها عدو حاقد، ويتلقفها منافق فاسق، وينشرها غر جاهل، وهي كذبة يطلقها خبيث، ويصدقها أخرق، وينقلها أحمق، وتسير بها الركبان إلى آخر القول.
– خطر على المجتمع..
من ناحيته قال المدرس علي حميدان: إن للشائعات أخطاراً على الأفراد والجماعات، والأسر والمجتمعات، وأضاف متسائلاً، كم من كريم صار بكلمة واحدة عرضة للملام، وكم من شائعة أشعلت فتنة بين الأنام، وكم من كذبة فرقت بين أحبة وقطعت كريم صحبة، وكم من ظلم وقع على أبرياء بسبب إشاعة نقلها بعض السفهاء.
ونوه بأن خطر الشائعات والإشاعات لا يكمن في هذا وحسب، بل فيها زيادة على ذلك تشويه الحقائق، وتسبب الخذلان وقت الشدائد، وبث الخوف في قلوب الضعفاء، والقلق في عقول الأقوياء، مع ما فيه من تفريق، وإثارة النزاعات فيما بينهم، وما قد تسببه من خسائر لشركات ومؤسسات بل ودول ومجتمعات، زد على ذلك ذهاب الثقة بين الراعي والرعية، واختلال الموازين في تصديق وتكذيب الأخبار حتى لا يثق الناس في خبر.
– انفتاح إعلامي خطير..
وبعد كل هذا نقول: إن على مروجي الإشاعات وناقلي الأخبار دون إثبات الخبر، أن يدركوا خطر ما يرتكبون، وأن يعلموا أنهم مسؤولون أمام الله وعباده على ما يفعلون، لأن الكلمة مسؤولية، خصوصاً في زمان الانفتاح الإعلامي، وثورة التواصل الاجتماعي، وسرعة انتقال الأخبار، وانتشار الأقوال، و مع خراب الذمم، وخداع الصور، ووقوع الفتن، واضطراب الأحوال، والتباس الأمور، وغلبة الكذب، ولهذا وغيره كان التثبت في الأخبار قبل تصديقها، فهناك فرق كبير بين أن تقول رأيت وان تقول سمعت، فالأول صدق، وحقيقة الوجه الثاني قيل عن قال وربما يكون افتراء.
فاللشائعات آثار مدمرة على الدول والأمم، ووقائع التاريخ تدل على ذلك أكبر الدلالة، حيث حمل لنا أمثلة لشائعات كان لها آثار خطيرة مدمرة في حينها وتركت آثاراً حتى وقتنا الحاضر.