ملف أطفال المعتقلين في سوريا.. جرح مفتوح ومسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل

الثورة – إيمان زرزور :

يعدّ ملف أطفال المعتقلين والمعتقلات في سوريا من أكثر القضايا الإنسانية تعقيداً وإيلاماً، وهو أحد الملفات التي تُشكّل امتداداً مباشراً لانتهاكات نظام الأسد البائد، والذي ارتكب على مدى سنوات جرائم ممنهجة بحق المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، فمنذ عام 2011، اعتُقل آلاف السوريين، وغُيّب الكثيرمنهم قسراً، بينما فُصل عدد كبيرمن الأطفال عن ذويهم، في انتهاك صارخ لكلّ القوانين والأعراف الدولية.

مع سقوط النظام، بات كشف مصيرهؤلاء الأطفال مسؤولية وطنية وأخلاقية ملحّة، وركيزة لا غنى عنها في مسارالعدالة الانتقالية وإعادة بناء الدولة على أسس إنسانية وقانونية، فلا يمكن لأي مصالحة وطنية حقيقية أن تنجح من دون معالجة هذا الملف المؤلم، الذي لا يزال يضغط على ذاكرة السوريين الفردية والجمعية.

تُشيرالتقديرات الحقوقية إلى أن ما لا يقل عن 4 آلاف طفل تعرّضوا للاعتقال أو الفصل القسري عن أسرهم خلال سنوات الحرب، وغالباً ما أودِعوا في مياتم ودوررعاية تحت إشراف أمني مباشر، وضمن تصنيفات “سرية للغاية”، بعيداً عن أي إجراءات قانونية أو حماية حقيقية، وقد شكّل هذا الإجراء جزءاً من سياسة الترويع والعقاب الجماعي التي انتهجها النظام البائد، وتحول لاحقاً إلى أداة ضغط ضد المعتقلين وذويهم.

مراكز SOS: الحلقة المظلمة في ملف الأطفال المختفين لعبت بعض المؤسسات التي يفترض بها تقديم الرعاية، وعلى رأسها المراكز التابعة لمنظمة “SOS” في سوريا، دوراً مريباً في هذا الملف، إذ تؤكد تقاريروشهادات موثقة أن هذه المراكز تحوّلت خلال الفترة بين 2013 و2018 إلى ما يشبه “مستودعات سرية” للأطفال المفصولين عن ذويهم، ونُقل المئات من هؤلاء القُصّر إلى تلك المياتم، دون تسجيل رسمي لأسمائهم الحقيقية أو أنسابهم، وتحت وصاية أمنية صارمة، كانت تمنع أي جهة حتى من السؤال عنهم.

تشير الشهادات إلى أن منظمة “SOS” تلقت أوامر صريحة بعدم الكشف عن هوية الأطفال أو السماح بزيارتهم، وتمّ تقييد المعلومات عنهم بذريعة “عدم توفر مستندات ثبوتية”، وواجهت المنظمة لاحقاً اتهامات بتغييرهويات بعض الأطفال، وإخفاء بياناتهم، وحتى المساهمة في نقل عدد منهم إلى الخارج تحت مسمى :”لمّ شمل” أو “تبنٍّ دولي”، في ظل غياب رقابة قانونية أو إنسانية.

في شباط 2025، أطلقت الناشطة والناجية من الاعتقال السياسي، سوسن تللو العباسي، نداءً إنسانياً عاجلاً للكشف عن مصير الطبيبة رانيا العباسي وأطفالها الستة، الذين اعتقلهم النظام في عام 2013، ولم يُعرف عنهم شيء منذ ذلك الحين.

وجاء هذا التحرك بعد معلومات حصلت عليها سوسن حول وجود فتيات يُشتبه أنهنّ بنات العباسي في منازل سرية تابعة لجمعية “SOS” تحت إشراف مربّيات وأشخاص مجهولي الصفة القانونية.

ما كشفته سوسن خلال زياراتها لمنازل قيل: إنها تأوي هؤلاء الفتيات، فتح الباب على احتمالات مروّعة: بيئة شبيهة بالاعتقال، تعامل صارم، هواتف تُصادر بالقوة، وأطفال يُربّون في عزلة تامة، دون أن يعرفوا أسماءهم الأصلية.

التحقيقات التي تلت هذه الزيارة وضعت الملف من جديد على طاولة البحث الرسمي.

بناءً على القرار الوزاري رقم /1806/ لعام 2025، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية الجديدة عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة بملف الأطفال المفقودين، وشرعت بالتنسيق مع وزارة الداخلية في توقيف عدد من الأشخاص المتورطين، من بينهم ندى الغبرة ولمى الصواف، المديرتان السابقتان لدار “لحن الحياة”، ورنا البابا، مديرة جمعية “المبرة”، إلى جانب أسماء أخرى لم يُفصح عنها.

وتهدف هذه التحقيقات إلى تتبّع مصير الأطفال الذين اختفوا أثناء وجودهم في دور الرعاية الواقعة تحت إشراف النظام السابق، ومحاسبة كل من يثبت ضلوعه في إخفاء أو استغلال أو المتاجرة بمصير هؤلاء الأطفال، سواء كان موظفاً مدنياً أو جزءاً من شبكة أوسع امتدّت لتشمل جهات أمنية وإنسانية في آن واحد.

تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن حماية حقوق الأطفال من أبناء المعتقلين والمعتقلات مسؤولية وطنية عليا، ولن يُبنى أي مستقبل عادل لسوريا دون إنصافهم.

كما دعت المواطنين والمؤسسات إلى التعاون مع لجنة التحقيق، وتقديم كلّ ما يتوفر لديهم من معلومات أو شهادات حول هذا الملف، وأعلنت أن عمل اللجنة مستمر إلى حين كشف الحقيقة كاملة.

والثابت أن إنهاء ملف أطفال المعتقلين ليس قضية قانونية أو إدارية فحسب، بل هو اختبار حقيقي لإنسانية المرحلة القادمة في سوريا، فهؤلاء الأطفال لم يُعتقلوا لأنهم ارتكبوا ذنباً، بل لأنهم أبناء معتقلين عوقبوا جماعياً، وقد آن الأوان لأن نُعيد إليهم أسماءهم، وهوياتهم، ومكانهم في ذاكرة هذا الوطن.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يتلقى ثلاثة اتصالات من ابن سلمان وأردوغان وأمير دولة قطر تناولت التطورات الأخيرة   وزراء خارجية دول عربية وتركيا يؤكدون دعم بلادهم  لسوريا و وحدتها  ويدينون الاعتداءات الإسرائيلية   "أوقاف " دمشق تتبرع ب 80 ألف دولار  لشراء 4 أجهز تخدير في مستشفى دمشق "المجتهد"  "الاقتصاد" وبرنامج "WFP" يوقعان اتفاقية شراكة غذائية استراتيجية  بعد تدخل مباشر من رئيس الجامعة...  عودة الهدوء إلى المدينة الجامعية بحلب  عشرات العائلات المهجرة من السويداء تصل إلى بلدات درعا الشرقية   مدير الشبكة السورية: توثيق عشرات الانتهاكات بحق بدو السويداء ونزوح واسع جراء العنف الطائفي  أبناء عشائر في الأردن يدينون ما تتعرض له عشائر البدو  بالسويداء من جرائم على يد ميليشيات الهجري  شاهد عيان على مجازر "ميليشيات الهجري":  غدروا بالمدنيين وقتلوا عشرات الأطفال والنساء مهجرو عشائر بدو السويداء : تعرضنا لأعمال عنف وتهجير وقتل وحرق لمنازلنا   وجهت نداء استغاثة لإنقاذها من ميليشيات الهجري..  عائلات في ريف السويداء تتعرض للقتل والتهجير وحرق م... "أبطال الخير" في ثقافي حمص.. يزرع قيم الخير في نفوس الأطفال تعديات على مهنة البيطريين في اللاذقية.. رئيس فرع النقابة: نطالب بزيادة طبيعة العمل رؤوس مقطوعة وبطون معقورة وأطفال ذبحوا من الوريد  مليشيات الهجري ترتكب أبشع المجازر بحق بدو السويداء "صندوق التنمية".. ذراع تمويلية استراتيجية لإعادة بناء سوريا سوريا مُوحَْدة بقيادتها وجيشها وشعبها.. ارتياح كبير عكسه خطاب الرئيس الشرع لدى مواطني طرطوس أهالٍ من درعا ينددون بالعدوان الإسرائيلي تحسين التيار الكهربائي بريف حمص توازن في أسئلة "الانكليزية ".. وتفاوت في  آراء الطلاب مجموعات خارجة عن القانون ترتكب مجازر بحق المدنيين وأبناء العشائر بريف السويداء