الملحق الثقافي- حسين صقر:
كلنا يعلم أن غالبية الأعمال الأدبية والدرامية صورة مصغرة عن الواقع، وتكون إما راهنة ومعاصرة أو تاريخية، وبالمقابل هناك أعمال خيالية وأسطورية، ولكنّها لخدمة الواقع أيضاً لأنها تتخذ خط الإسقاط والمحاكاة، بهدف إيصال رسالة معينة إما اجتماعية أو سياسية أو دينية وربما غير ذلك.
وبناء على ماسبق: إن الفرق الأساسي بين الواقع والخيال يتمثل في أن الواقع هو ما هو موجود بالفعل، و هو ما يمكن ملاحظته وقياسه وتأكيده، لكونه يحدث في العالم الحقيقي، وقائم على الحقائق والأدلة والتواريخ والأحداث وله حدود، ولهذا يمكن التحقق منه، بينما الخيال هو ما تمّ اختراعه و إنشاؤه وتصويره في العقل والذاكرة، لأنه ليس موجوداً في العالم الحقيقي، وإنه قائم أصلاً على الخيال، و لا يمكن التحقق منه و يتغير بتغير ظروف المتخيل وليس له أي أطر أو تحده حدود وآفاق.
ومن هذا المنطلق عندما يريد الكاتب أو المبدع تصوير الواقع، بالتأكيد سوف يأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الذين عاشوا الفترة التي يتحدث عنها، وسوف يختار معلوماته بدقة متناهية، لأنها قد تخضع للبحث والمقارنة والنقد والتقصي، ولاسيما إذا كان فيها إجحاف بحق جهة معينة أو تراعي وتحابي جهة أخرى على حساب الأولى.
بينما في الخيال يجوز لضرورات معينة خلق بيئة مختلفة ومفترضة بعوالمها وأشخاصها وأحداثها وذلك ينطبق على المسلسلات والأعمال الميلو درامية الفانتازية كالجوارح والكواسر والبواسل وغيرها، ومنها أيضاً الكوميدية كضيعة ضيعة، ويوميات مدير عام وغيرها، هذا محلياً وذلك دون الغوص في الأعمال العالمية الخيالية جداً جداً، كتحول الإنسان إلى حشرة أو إلى تمساح أو غير ذلك.
وهناك أعمال أدبية تاريخية وواقعية كثيرة ولن نذكر شيئاً منها، كي لانظلم ما يوازيها أو يساويها أو حتى يتفوق عليها في القصة والإنتاج، ولكن هناك الروايات التاريخية والأسطورية والواقعية والسير الشعبية.
بالمقابل إن الخيال في السياق الذي يستخدمه بعض الناس يقصدون به الذم أكثر منه الإشارة إلى عنصر أو أداة فنية إبداعية في الكتابة الأدبية، أي أن الرواية بنظرهم حكاية بعيدة عن الواقع ومنسوجة من الخيال، و يغفل هؤلاء أن الخيال نوعان: خيال صريح ومباشر من قبل ما نسمع عنه، والنوع الثاني: هو في الأصل واقع جريء، لكنّه متنكر بلباس الخيال، و يتسم بالواقعية المفرطة، وغالباً ما نجده في الروايات، كما أنه أحياناً لا يصلح أن نتكلم عن الواقع بلغته المألوفة والدارجة، ربما لأنه لن يهتم أحد بسماع أو فهم ما نود أن نقوله، لأن هذا هو الواقع الذي يعرفونه.
وهناك أيضاً الروايات التي تغوص في تفاصيل الحياة اليومية لمجتمعاتنا العربية، و ما هي إلا محاولات لتعرية الواقع ومناطق الخلل التي فيه، وبالتالي فالحديث عن علاقة الأدب بالواقع أو الواقع بالأدب والخيال أيضاً مرتبط بتداخلات فكرية وفلسفية وأدبية وفنية، لأن الأدب لا ينفك في غالب الأحيان عن الواقع ولاينفصل انفصالاً تاماً، ولو انفصل عنه تماماً سوف يمثله ولو بصورة رمزية وغامضة، وغير ذلك لكان الأدب يمثل عبثاً، وهنا لن يعني هذا الأدب للإنسان وواقعه أي شيء، ولكنّه كي يعنيه لابدّ أن يعبّر عن آلامه وهمومه التي لا يمكن أن يعبّر بها إلا بالأدب والفكر.
العدد 1209 – 15 – 10 -2024