الثورة – دمشق – رولا عيسى:
جاء البيان الحكومي أمام مجلس الشعب، بعد انتظار ليحدد عمل الحكومة الجديدة في المرحلة القادمة، وهي مرحلة يترقبها الجميع على الصعيد المؤسساتي وعلى صعيد المجتمع والشارع السوري.
تحديات..
والكل يتمعن فيما جاء ضمن البيان، وشمل جميع جوانب الحياة، وصيغ بشكل لامس فيه أغلب القطاعات المتاخمة لمعيشة المواطن، كما أن البيان جاء في توقيت تشهد فيه المنطقة حالة من عدم الاستقرار، بسبب الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان، وتوافد مئات الآلاف سواء العائدين السوريين أو اللبنانيين، وبالتالي ثمة تحديات.
ومما لا شك فيه أن الأهمية الأكبر والمهمة الأصعب هو ما يتعلق في الناحية الاقتصادية والمعيشية خاصةً في ظل الظروف الراهنة، وهنا يشكل ما طرحه البيان على صعيد التنمية الاقتصادية، الرهان في أن تكون الخطوات مدروسة وتنفيذية، بما يجعلها الرافعة الأولى والمجال الأوسع للتطوير في قطاعات الاقتصاد ككل.
الاستثمار
ومن الأهمية بمكان أن تبدأ مقدمة العمل الحكومي في مجال التنمية الاقتصادية في توفير بيئة اقتصادية محفزةٍ وجاذبةٍ للاستثمار والإنتاج، تتّسم بمؤشراتٍ اقتصاديةٍ مستقرة تساهم في تحقيق التنمية المتوازنة والشاملة على أن تتبنى الحكومة الأهدافَ الاقتصادية العامة القائمة على تحفيز النمو الاقتصادي المتوازن والشامل، واستقرار المستوى العام للأسعار، وتحسين عدالة توزيع الدخل، وتعزيز كفاءة سياسات إعادة توزيع الدخول والثروات بما يضمن الاستثمارَ الأمثلَ للموارد المتاحة.
آثار سلبية متراكمة
اللافت في البيان الحكومي الاعتراف بوجود التحديات، وهنا يقول البيان: تواجه الحكومةُ في مساعيها لتحقيق هذه الأهداف جملةً من التحديات الجسام وأهمُّها، الآثار السلبية المتراكمة لبعض السياسات الاقتصادية الموروثة منذ عدة عقود، والتي عمّقت المشكلاتِ الاقتصاديةَ بشكل كبير في ضوء المستجدات الطارئة التي تعرض لها اقتصادُنا.
ضعف وتذبذب معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتزامنه مع عدم استقرار أسعار الصرف والمستوى العام للأسعار حيث تجلتِ الأزمة الاقتصادية بشكل ملموس من خلال ارتفاع معدلات التضخم مترافقاً مع تراجعٍ في الطلب الكلي (الركود التضخمي).
ومن ضمن التحديات أيضاً وجود عجز كبير في الموازنة العامة للدولة وميزانِ المدفوعات، ومحدودية الموارد المالية المتاحة للاستثمار في ظل ظروفِ الحرب الإرهابية والإجراءاتِ القسرية أحادية الجانب، والتفاوت التنموي الكبير بين المحافظات والذي تعمق بسبب الحرب ومفرزاتها.
التحديات المتصلة بالأمن الطاقي والمائي والغذائي وأثرها على القطاعات الاقتصادية.
وتتبنى الحكومةُ لمواجهة هذه التحديات والتعامل مع مفرزاتها وفي معرض سعيها لتحقيق الأهداف، توجهاتِ تتعلق بالاستمرار في إعادة هيكلة سياسات الدعم الحكومي لزيادة كفاءتها وخلقِ ترابطٍ بين الدعم الاجتماعي والدعم الموجّه لأغراض الإنتاج، والحفاظ على الأراضي الزراعية والحدُّ من استخدامها لأغراضٍ غير زراعية ومنع تدهورها، والتوسع في استصلاح الأراضي، والسعي لتكامل القطاع الزراعي مع القطاع الصناعي لتوفير احتياجاته من المنتجات الزراعية التي يمكن إنتاجها محلياً.
الاقتصاد الريفي
ومن البنود المندرجة في نفس السياق تحفيز النشاط الاقتصادي في الريف من خلال تطوير برامج التنمية الزراعية عبر اتباع النهج التشاركي مع جميع الجهات والقطاعات، ورسم سياسةٍ صناعيةٍ تعكس مسار التحوّل المطلوب اقتصادياً، وتتسق مع باقي السياسات القطاعية، والبدء بتنفيذها بما يُفضي إلى إحداث إصلاحٍ تدريجيٍّ في الهيكل الإنتاجي للصناعة الوطنية.
كذلك الاستمرار في تعزيز مساهمة القطاع الخاص في النشاط الصناعي والاقتصادي وتطوير البيئة التشريعية والتنظيمية لذلك، ومعالجة الوضع القانوني للمنشآت الصناعية العامة المدمَّرة وغيرِها، بالتوازي مع إتاحة فرص الاستثمار بين القطاعين العام والخاص لكل المطارح القابلة للاستثمار المتضررةِ أو المتوقفةِ أو الخاسرةِ، والاستفادةُ من القوانين النافذة.
ويجدد البيان الحكومي التوجه نحو التصدير من خلال الاستمرار بالدعم المخطط والمدروس للتصدير باعتباره مدخلاً تطويرياً للسياسة الصناعية وسياسة التجارة الخارجية وإتاحة عمليات التصدير عموماً، وتحقيق التوازن بين حرية التجارة وتقييدها حمايةً للصناعة الوطنية.
مناطق اقتصادية تنموية
ويتحدث عن تشجيع إحداث مناطقَ اقتصاديةٍ خاصةٍ وتنمويةٍ وتطوير البيئة التشريعية ذاتِ الصلة، وتنظيم الأسواق الداخلية من خلال التدخلِ الإيجابي والرقابةِ على الأسعار والتركيزِ على السلع الأساسية ومنعِ الممارسات الاحتكارية.
وفي الناحية الاستثمارية يوجه الأنظار والعمل نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال التحفيز الاستثماري التشريعي والتنظيمي والتمويلي المستهدف والمدروس للمشروعات متناهيةِ الصغر والصغيرة والمتوسطة الجديدة والقائمة، بما يدعم تطور هذه المشروعات، وتهيئة عمليةِ انتقالها تدريجياً إلى حجوم أكبرَ، وجذبها من اقتصاد الظلّ إلى الاقتصاد المنظّم.
حاضنات ومسرعات أعمال
إضافة إلى التشجيع على تأسيس حاضنات ومسرِّعات أعمالٍ نوعيةٍ. وكذلك تشجيع المبدعين والمبتكرين وحماية حقوقهم وتحفيزهم وربطُ إبداعهم بالاستثمار والإنتاج والتسويق.
وضمن مجال التنمية الاقتصادية يتوجه العمل الحكومي نحو تحسين كفاءة الإنفاق العام واستخدامات الموارد العامة، وتطوير عملية إعداد الموازنة العامة وتعزيز الإنفاق الاستثماري والتركيز على الإنجاز المادي، وتعزيز وتنويع مصادر الإيرادات العامة غيرِ الضريبية لتلبية احتياجات تمويل الأنشطة الإنتاجية والخدمية.
ويبدو أن العمل مستمر من جانب الإصلاح الضريبي عبر تطوير التشريعات الضريبية وتحديث الإجراءات والقرارات التنظيمية وتعزيز التحول الرقمي في العمل الضريبي، وإدارة الدين العام بكفاءةٍ وتطوير أدواته.
ويعتبر الحلقة الأقوى في مجال التنمية الاقتصادية العامل النقدي والمصرفي، وهنا تتحدث الحكومة في بيانها عن السعي لتحقيق استقرار النظام النقدي والمصرفي وتطوير القطاع المالي، بما يحقق الاستقرارَ النسبيَّ لسعر الصرف والمستوى العامِّ للأسعار، من خلال تطوير الإجراءات التنفيذية لدعم النمو الاقتصادي وزيادة التشغيل والحد من التضخم، وذلك بتطوير عمليات تمويل المشاريع الإنتاجية، ومتابعة إجراءات ترشيد حجم الإصدار النقدي، وإدارة إصدار سندات وأذونات الخزينة، والتعامل بمرونة وكفاءة مع تغيرات سوق القطع الأجنبي، وزيادة نطاق وفعالية استخدام وسائل الدفع الإلكتروني.
هل في الإعادة إفادة؟
بالتأكيد ما جاء في مجال التنمية الاقتصادية هو استمرارية لعناوين طرحت سابقاً على الطاولة، إلا أنها بقيت بعيدة عن التنفيذ الفعلي، لربما أن السبب عدم القدرة على التطبيق أو مواجهة واقع لا يتناغم مع هذه العناوين، والمهم من هذا كله أن تسعى الحكومة الحالية نحو امتلاك القدرة على تنفيذ هذه الطروحات وتذليل العقبات أياً كانت، لتأخذ طريقها الطبيعي نحو النهوض بالواقع الاقتصادي الصعب.