الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
عرفت دمشق وعواصم الثقافة العربية والعالمية بمكتبات الرصيف.. تلك التي ارتبطت بالشوارع، كي تقدم الثقافة للناس بأسرع وأسهل أنواع الخدمة الثقافية.
وعندما تتجول في أرجاء مكتبات الشارع تقبل على اقتناء هذا الكتاب النادر ربما، وقل مثيله في المكتبات الرسمية والجامعية… وتجد فيها ما يروق لك من كتب من أمهات الكتب بأسعار مرضية تناسب دخلك.
تنتشر مكتبات الرصيف أو الشارع في دمشق والقاهرة وبغداد وعمان وصنعاء وباريس وغيرها من العواصم الثقافية العربية والأجنبية، وصارت معلماً هاما يميزها، حتى أن تلك المكتبات تقيم معارض ثقافية وندوات ترافق أيام العلم والثقافة.
أغلب زبانن هذه المكتبات قراء من الطبقة الفقيرة لكن الحال تغير اليوم. فقد أصبحت هذه الطبقة شبه معدومة، تسعى لكسب قوت يومها.
أما الجيل الجديد، فاستبدل الإنترنت بالكتاب، وطبقة الشباب أثرت القراءة على الإنترنت عن الكتاب للبحث عن المعلومة دون الذهاب إلى مصدرها الأصلي.
لقد بات الإنترنت عاملاً مهماً للتواصل وإيصال المعلومة، وصار أداة العصر الرئيسية بين الناس وللاطلاع فقط على العلم، دون الاعتماد الكلي عليه، أما طالب العلم فيجب أن يعتمد على الطبعة الأساسية للكتاب لأنها تستقي منه المعلومة من مصدرها وإذا كان هناك كتاب قديم يكون له تحقيق ويخرج المعلومة على أصولها ولا يمكن أن يؤخذ العلم جملة وتفصيلاً من الإنترنت.
ومن هنا تأتي أهمية مكتبات الرصيف التي تضم آلاف أمهات الكتب والكتب الأصلية التي تعزز أبحاث طالبي العلم وطلاب الجامعات.
شكلت مكتبات الرصيف رديفاً مهماً للمكتبات العامة التي يقصدها القراء من كل حدب وصوب، وعاملاً تعزيزياً للقراءة وتأمين الكتاب النادر والمراجع الأصلية لأمهات الكتب.
وأحيانا توفر هذه المكتبات كتباً غير موجودة في المكتبات الرسمية.
وأصبحت مكتبات الرصيف معلماً تتميز بها عواصم الثقافة العربية والأجنبية .. من باريس إلى بيروت فدمشق إلى بغداد إلى عمان فالقاهرة وغيرها كلها أفردت مساحات واسعة لمكتبات الرصيف، لما تعطيه من ملامح تراثية جميلة، وأضحت معلماً يقصده السياح والقراء لاقتناء الكتب النادرة والحصول على روايات وقصص عالمية بتوقيع كتابها وبخط قلمهم.
ما يسهم في نشر عادة القراءة التي خبتت بعد انتشار الفضاء الأزرق واختفاء الحياة الورقية من مجتمعاتنا.
الكتاب خير جليسٍ وأنيسٍ يمنحكَ كلّ ما ترغب بمعرفتهِ، ويعطيك الراحةَ في النفسِ حيث يهمس لكَ بكلِّ ما هو نافع وممتع، لا يَملّك إنْ مللتهُ، وكلما جالستهُ زادك من عطائهِ، وشدّك إليهِ، وأنار عقلك وروحك بمعارفهِ، وقد أشارت الدارسات أنّ قراءة الكتب تساعد على الحفاظ على العقل سليماً صحيحاً وتحميهِ من الإصابة بمرض الزهايمر، حيثُ إنّ القراءة تعمل على تمرين عضلة العقل للحفاظ على صحتهِ وقوتهِ.
تحت «جسر الرئيس» في دمشق زاوية كبيرة كانت مخصصة لمكتبات الرصيف – كتب البسطات- هذه البسطات التي تقدم الكتاب والمراجع للناس والطلاب بأسعار بخسة أقل بكثير من المكتبات المخملية، وأصحابها من العاملين والمشتغلين بالكتابة والفكر – من أصحاب الكار كما يقولون – يفهمون ويساعدون الطلاب على اختيار المراجع المناسبة لدراستهم.
هذه المكتبات اليوم افتقناها بعد قرار المحافظة باقتلاعها وجرفها بالجرافات دون سابق انذار، علماً أنها أقيمت بقرار من وزارة الثقافة ومحافظة دمشق بشكل صريح، وأعطيت لأصحابها الموافقة على فتحها حتى إن المحافظة ساعدت على وضع رفوف تمكنهم من وضع الكتب حماية لها من العوامل الجوية.
هذه المكتبات التي تحظى بأهمية ثقافية لدى القراء والناس، هاهي اليوم تغيب عنا اليوم بعد قرار المحافظة بإزالتها دون أن يخرج عنها أحد للتوضيح والتبرير، وهل سيكون هناك البديل، كم قيل وتحدث البعض، بأنه سيعطى لأصحابها أماكن أفضل بديلة في الشكل والمكانة.
مقارنة بين مكتبات الرصيف في العواصم العربية والعواصم الأوروبية نلاحظ الفوارق الكبيرة من حيث الشكل والاهتمام الرسمي والثفافي من قبل المؤسسات. ففي عواصمنا نلاحظ عدم الاهتمام بينما في العواصم الغربية نلاحظ الاهتمام الواضح التي توضع في مكتبات خشبية تنتشر في الشوارع ولاسيما في محطات المترو والمطارات ومحطات القطارات، وهي متاحة مجاناً وسهولة الحصول عليها وإعادتها إلى مكانها بهدوء.
بينما في عاصمتنا استبدلت بعض المكتبات بمحال لبيع الأحذية.. وصارت توضع تلك الأحذية بأماكن أفضل جمالاً ومكانة من وضع الكتب وخاصة في مكتبات الرصيف التي تكدس فوق بعضها بعضاً دون ترتيب أو تنظيم.
اليوم لم ينظر في مجتمعاتنا إلى مهنة الكتابة والعلم نظرة عليها القيمة بل نظرة دونية، ولم يعد يعطى الكتاب تلك الأهمية المرموقة التي كانت تعطى له مع الأسف، وصار للحذاء قيمة مادية أهم من الكتاب، مما يتطلب إعادة في التفكير والنظر إلى قيمنا بالشكل الذي يرتقي بفكرنا وعلمنا.
العدد 1210 – 22 – 10 -2024