الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
منذ وصولها إلى هذا الشاطئ الفريد الذي تقيم قربه للمرة الأولى، بعد زيارات متكررة تمنت بعدها أن تكتشف المكان بإطلالته المفتوحة من جهة البحر برماله السحرية والمغلقة من جهة تلك الأبنية الشاهقة الارتفاع والمتداخلة والتي لم تتمكن من اكتشاف سوى بعضها من خلال لافتات تبين اسم كل فندق، أو مبنى على شاطئ يمتد إلى مسافات كبيرة في الجميرا بدبي.
شعرت منذ اليوم الأول حين فتحت باب الأوتيل التابع لسلسلة فنادق هندية أن حرارة الجو لسعتها ولم تدرِ كيف احتملت درجاتها العالية بل والمشي صباحًا ومساء والتسوق القيام بكل تلك الأنشطة التي اعتادتها خلال السفر.
شعرت أنها في طقس سريالي تستكشف ردود فعل عقلها الباطن وعوالمها المتخيلة من خلال تعاطيها مع واقع غارق في الابتعاد عن تقليديته حيث يحفل المكان بكل ما هو متناقض، حين تدخل المحلات تشعر ببرودة رهيبة، وما إن تخرج من المكان حتى تلتقط تلك الحرارة الرهيبة.
وما بين تلك الرموز الباردة والحارة تتداعى بشكل فوضوي تصرفات تخالف كل القواعد الثابتة المتعارف عليها، فلا الطعام ذاته، تنتقل من الطعام التايلاندي الذي يشتهر بالصلصات والأسماك وشوربة السمك الشهيرة وتلك الصلصات الخاصة التي تزعج معدتك إن لم تعتدها، إلى الطبق الصيني حيث تختلط فيه النكهات وصولاً الى الطعام العربي حيث الشاورما والفلافل لها محلاتها الخاصة وتقدم على أطباق خشبية كأنها ولدت من جديد.
لطالما أعجبت بسلفادور دالي رائد السريالية وتخيلته لو أنه في هذا الموقع لاختطت ريشته مالم نتوقعه، وربما
تفوق رينيه ماغريت على لوحتيه «القيم الشخصية» و»إمبراطورية الأضواء» وتفوق جورجيو دي كيريكو على «عقل الطفل» و»غناء الحب»…
تخيلت لو أن بيدها ريشة لتداخلت في رسوماتها مسارات على شكل متاهة تحاول تفاديها كلما خرجت من غرفة الفندق منتقلة إلى سينوغرافيا الوهم البصري حين ننطلق صوب تلك المطاعم والمحلات التي تصطف على الجانبين كأن المسافر دخل قاعة مستطيلة ضخمة يغمره ضوء لن ينطفئ حتى بعد رحيله عن المكان.
العدد 1211 – 29 – 10 -2024