الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
ارتبطت اللغة العربية بحواضر حافظت عليها كلغة قديمة ومعاصرة وقادرة على التجدد والانتشار، ومن أهم تلك الحواضر هي الأرض والبيئة الاجتماعية التي احتضنت تلك اللغة.
أولى الحواضر ..أرض العروبة
وقد اتسمت تلك الأرض بأرض العروبة التي احتضنت مسيرة الحضارة العربية.
فأرض العروبة هي أولى هذه الحواضر، فقد أدى عصر انطلاق الإسلام دوراً بالغ الأهمية في نشر اللغة العربية وتثبيتها، فمن المعروف أن المنطقة العربية التي تمتد اليوم من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، احتضنت قديماً أعظم حضارات العالم القديم في مصر واليمن والبحرين والعراق وبلاد الشام والمغرب العربي، وكانت اللغات المستخدمة في تلك المنطقة الواسعة القديمة متقاربة، وتتضمن اللغات العربية ولهجاتها الآرامية والكنعانية والعبرية والحميرية والقبطية والأمهرية والأمازيغية.
إن الشعوب التي سكنت في هذه المنطقة منذ فجر التاريخ كانت تنشد إلى حقيقة انتمائها العربي، على الرغم من أنها لم تكن ربما تتحدث باللهجة العدنانية، ولكن اللهجة العدنانية ليست إلا لهجة واحدة من اللهجات العربية.
لقد أطلق المؤرخون واللغويون الأوروبيون في القرن الثامن عشر اسم اللغات السامية على اللغات المستخدمة في هذه المنطقة، فيما يقترح علماء عرب تسميتها مجموعة اللغات الآسيوية الإفريقية، بينما نفضل نحن أن نطلق عليها اسم مجموعة اللغات العربية – الإفريقية، وتختلف هذه المجموعة عن مجموعة اللغات الهندو – أوروبية اختلافاً جذرياً، فالأولى ذات بنية اشتقاقية، بينما الثانية بنيتها تركيبية.
إن الشعوب المسماة بالسامية هي جميعاً طبقات من العرب، وهي متعاقبة ومصدرها الجزيرة العربية، ولذلك فإن بإمكاننا القول إن الأقوام العربية هي مجموعات متعاقبة من أقوام الجزيرة العربية تضمنت الأقوام العربية البائدة، وهي مجموعات هاجرت منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وهذا رأي المؤرخين: شرينغر وآدم سميت وشريدر وونكلر وشريدر.
العروبة سابقة للسومريين والأقوام العربية القديمة كالعموريين (ماري) والكنعانيين (أوغاريت صيدا صور بيروت غزة، أورسالم، جبيل، شكيم) والأراميين (دمشق) (حماة) وعرب الجنوب وهم عرب معين وسبا وحمير)، وكذلك للأنباط والثموديين واللحيانيين والحضرميين والمناذرة والغساسنة. لكن قلب العروبة قريش التي صهرت كل هذه الثقافات والحضارات القديمة في بوتقة لغتها وثقافتها بعد الفتح العربي الإسلامي.
ثاني الحواضر الامتداد الحضاري
امتازت اللغة العربية بالعديد من القضايا أهمها:
– التراث العربي امتد من بابل إلى قرطاج.
– حوت اللغة لهجات عربية من مكونات اللغة ولم تكن لغات سامية.
– بقيت اللغة العربية محافظة على حالها وتطورها وتجددها طيلة تسعة قرون.
إن التراث العربي يمتد من بابل إلى قرطاج… نحن نتحدث عن ألف عام قبل الإسلام التراث العربي يمتد من بابل إلى قرطاج.. وقرطاج بدورها كانت تمتد إلى شنقيط بلد المليون شاعر عربي (موريتانيا).
وهناك تركيز على أن هذه اللهجات لهجات عربية وليست لغات سامية وهذا الموقف كنا نظنه أنه تصنيف لبعض الباحثين ولكن عروبة هذه المنطقة خاصة في مواجهة النزعات الانفصالية التي تواجهها اللغة.
إن العربية التي نشرها الإسلام وثبتها في أرجاء كثيرة من العالم، ظلت لغة العالم تسعة قرون، إن علينا أن نفاخر بأن هذا الحلم الذي تطلع إليه الحكماء تاريخياً في أن يكون للعالم لغة واحدة.
ولقد جرى هذا الحلم وتحقق عبر اللغة العربية والمشروع الحضاري العربي.
ثالث الحواضر.. اللغة العربية لغة الديانات
اللغة العربية هي لغة الديانات التي شهدتها المنطقة العربية، من خلال:
– اللهجة العبرانية والخطاب الموسوي
– اللهجة الآرامية والخطاب المسيحي
– اللهجة العدنانية والخطاب القرآني
– القرآن واللهجات العربيات
من جانب آخر يجب أن تتذكر أن اللغة العربية هي لغة الديانات، وموسى عليه السلام الذي ولد في مصر وتحرك في انتصاره لقومه باتجاه الأرض المقدسة، كان يتحدث لغة الأرض ولغة الناس ولغة القوم.
إن الحديث عن عروبة رسالة موسى وعروبة رسالة عيسى يبدو مثار شك وخاصة حتى لدى الدراسات التقليدية التي تعتمد الرواية.
إن الحديث عن اللغة العربية على أنها لغة الديانات لغة الديانة الموسوية ولغة الديانة المسيحية ولغة الديانة الإسلامية في غنى عن تقديم الأدلة على أنها لغة الإسلام، لأن الإسلام كما هو معروف اعتمد اللغة العربية لغة القرآن ولغة المناسك ولغة الآذان وانتشرت في العالم.
ولكن ماذا عن اللغة المسيحية ؟… لا نزال حتى الآن ترتاب في الأصل اللغوي للذي اعتمده السيد المسيح.
عندما يتحدثون أن السيد المسيح تحدث الآرامية، لأن الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح لم يعد يقرأ بها أحد في العالم إلا في قرى في محافظة ريف دمشق (معلولا، جبعدين)، الذي يتحدث اللهجة السريانية بمعانيها العربية.
إن السيد المسيح تحدث بلسانه الآرامي الذي تحدث به قدم دليلاً على الرسالة الباقية التي حملتها همم عربية إلى العالم.
والقرآن الكريم حفظ اللهجات العربيات، عندما نلاحظ أن القرآن الكريم عدل في كثير من الأحيان عن النمط العدناني إلى النمط الآرامي من أجل أن يشير إلى وشائج القربى، عندما يقول: الحمد الله رب العالمين، إن العالمين جمع عالم وهو غير عاقل حيث يجمع بالتكسير، والسياق أن يقال رب العوالم وكذلك السنوات وكذلك أبناء، ولكنه عدل عن هذا الجمع، جمع التكسير السائد لدى العدنانيين إلى جمع الآراميين الذي هو جمع بالواو والنون العالمين بدل العوالم، والبنين بدل الأبناء، والسنين بدل السنوات مثل هذه المناقشات أعتقد أنها ستكون محل اهتمام كثير من الدارسين وعلينا أن ندرك أن القرآن الكريم تعمد أن يبقي في خطابه بعض الطيف الآرامي، وبعض الطيف الكلداني، وبعض الطيف الفينيقي. وإن وجود هذا الطيف في النص القرآني هو إرادة حكيمة من أجل تعزيز الصلة بين أبناء الأمة العربية.
رابع الحواضر.. اللغة العربية والتواصل الحضاري
فقد قدمت اللغة العربية العديد من الإسهامات:
– إسهام الحضارات المختلفة في التراث العربي
– العربية ديوان الإبداع العالمي تسعة قرون
– واقع اللغة العربية في العالم الإسلامي
– الحرف العربي الرابط الثقافية.
– هناك جانب في هذا البحث يتصل بالامتداد الحضاري للغة العربية وانتشار اللغة العربية خارج حدود الوطن العربي. حيث نلاحظ وجود اللغة العربية في العديد من لغات العالم مثلاً فنجد 28% من مفردات اللغة التركية من المفردات العربية، وفي الفارسية 30% من مفرداتها هي مفردات عربية وهناك من يتحدث عن 40%.
وفي لغة الملايو يتحدث الماليزيون 8% مفردات عربية، وفي لغة البشتو يتحدث الأفغان 10% من لغتهم مفردات عربية، وفي الأوزبكية 5% مفردات عربية.
العدد 1211 – 29 – 10 -2024