الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
يعد قامة أدبية وفكرية وفنية مهمَّة، إذ ترك إرثاً قيِّماً في ميادين عديدة. منها: النقد والإبداع والموسيقا. إنَّه المبدع المميَّز صميم الشريف. توفـي والده بعد ولادته بشهرين 1927، تاركاً ثروة صغيرة ساعدت الأم على تنشئته وإخوته تنشئة صالحة، كما كان لأساتذته عبر مراحل الدراسة دور لايستهان به لأنه أثَّر تأثيراً عميقاً في فكره ووجدانه، حيث وجهاه علمياً وثقافـياً ووطنياً، كذلك كان لهم دور في حفظ قواعد اللغة من صرف ونحو، والاطلاع على المجلات الثقافية وفنونها الأدبية، فاكتشفوا ميله للموسيقا والغناء.
شغل «الشريف» العديد من المناصب الإدارية منها: عضو جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتَّاب العرب، ويعتبر من أهمِّ المؤرِّخين والباحثين الموسيقيين في سورية والوطن العربي، كما كان له نشاط بارز في اتحاد الكتَّاب العرب، في تحرير مجلة الموقف الأدبي، وفي عضوية مكتبه التنفيذي، كذلك عضويته في جمعية القصة والرواية.. أيضاً عمل على استعادة المكانة المرموقة للموسيقا العربية، واستحضار آفاقها الجمالية.
بداياته الموسيقية
كان «الشريف» عضواً في لجان تحكيم لأكثر من مئة مهرجان موسيقي عالمي داخل سورية وخارجها. كتب آلاف المقالات في النقد الموسيقي والفني، وأصدر كتباً منها: «الموسيقا في سورية أعلام وتاريخ، السنباطي وجيل العمالقة، الأغنية العربية، نجيب السراج»، إضافة إلى دراسة عنوانها: «أساطين الموسيقا العالمية» عام 1954.
إنَّه من رواد العمل التلفزيوني، أعدَّ العديد من البرامج للتلفزيون السوري، أولها برنامج «نافذة على العالم» عام 1961، حيث كان يُطل في كلِّ حلقة من حلقاته على دولة من دول العالم تُعرف بثقافة شعبها وفنونه، مدَّته نصف ساعة ثم تحوّل اسمه إلى «حول العالم»، وأصبح مدته ساعة. ثم انتقل بعد ذلك إلى البرامج الموسيقية فأعدّ برنامج «العصا السحرية» ، والمقصود بها عصا قائد الفرقة السيمفونية، وقدّم فيه روائع الموسيقا العالمية، واستمر لمدة سنتين، ثم قدَّم برنامجه الموسيقي الثاني «فنون الشعوب»، وكان يُقدم في كلِّ حلقة موسيقا ورقصات شعبية لشعب من شعوب العالم، وتظهر مقدِّمة البرنامج «المذيعة» مرتدية الزي الفولوكلوري للشعب موضوع الحلقة، وأهمّ البرامج المقدمة من قبله «من ذاكرة التلفزيون» حيث يُقدّم فيه أغنيات وأعمالاً درامية من أيام الأبيض والأسود، كما تمكَّن من وضع خارطة أرشيفية للموسيقا والغناء في العالم العربي عبر دراساته وكتبه التحليلية والنقدية والتأريخية، فأغنت مؤلفاته النقدية المكتبة العربية بعدد من الأبحاث والدراسات الموسيقية لذا تمثَّلت خبرته وجهوده تجاهها في رصد تاريخها، وتتبع مراحل تطورها وتوثيق أعلامها، باعتباره يمتلك أذنين موسيقيتين: الأولى للموسيقا الكلاسيكية، وأخرى للموسيقا الشرقية والعربية، حيث يميز بين الاستماع للموسيقا الغربية الداعية للتفكير والتأمل وبين الاستماع إلى الطرب الوجداني في الموسيقا العربية.
التأريخ والتدوين الموسيقي
تميَّز الباحث والأديب والموسيقي صميم الشريف، بقدرته على التأريخ والتدوين والرصد والتحليل والدراسة لتاريخ الموسيقا وأعلامها فـي سورية، وكان المرجع الأمين لكلِّ معلومة موسوعية عن أعلام الموسيقا والغناء العربي والأجانب، وصاحب رسالة تنير الطريق لتلاميذه وطلابه الكثر منْ علّمهم الموسيقا، فـي شتى أرجاء سورية حملها في الموسيقا والأدب، بقوة واقتدار وتصميم، لأجيال عديدة تعاقبت عليه، كما ساهم مساهمة كبيرة فـي عملية التذوق الموسيقي، مؤكَّداً دائماً فـي كثير من دراساته ومؤلفاته ومقالاته ضرورة الحفاظ على موسيقانا العربية، والعمل على استمرار صفة أساسية من سماتها الطربية لأنَّها ميزة لا نجدها فـي أي موسيقا من موسيقا الشعوب الأخرى، داعياً كلَّ من يعمل فـي علومه إلى تأليف موسيقا مدروسة، يقودها هدف معين نبيل، لا تكتمل عناصره وغاياته الجميلة إلا من خلال المتابعة الواعية والثقافة والعلم والتجارب المتواصلة، مشدِّداً على ضرورة الاهتمام بموسيقانا التراثية، وتدوينها والتخطيط لتنظيم العروض الموسيقية لها فـي المهرجانات والفعاليات والأنشطة الثقافـية العربية والعالمية، وتشجيع الاتجاه نحو النهوض بأغنيات التراث.
صميم الكاتب القاص
لم يكن باحثاً موسيقاً متميزاً فحسب بل كان كاتباً رائداً ومهماً، فكتب القصة القصيرة مبكراً عام 1948، عندما شارك في مسابقة للقصة أعلنتها مجلة الأديب اللبنانية، وفاز بالجائزة الثانية عن قصته «غفران» وأصدر مجموعة قصصية حملت عنوان «أنين الأرض» أعلنتها مجلة النقَّاد الدمشقية عن مسابقة للقصة القصيرة في عام 1952، فشارك فيها وفاز بالجائزة الأولى عن قصته «العتال» في العام نفسه، كما أصدر مجموعته القصصية الثانية عام 1961 عنوانها «عندما يجوع الأطفال»، وجميع قصصه في المجموعتين تنتمي إلى الواقعية الاشتراكية، حيث تتناول في موضوعاتها الطبقة المسحوقة، ثم كتب قصة «اعترافات زنزانة» منتصف الستينيات من القرن الماضي، وحاول نشرها في مجلة المعرفة، لكنَّ رئيس تحريرها رفض نشرها، فتوقف عن الكتابة القصصية واتجه إلى الكتابة الموسيقية.
إذا كان صميم الشريف قد توقَّف عن نشر نتاجاته الأدبية في الصحف والمجلات، فإنه لم يتوقف عن الكتابة فيها، فكتب الكثير من القصص وأودعها أرشيفه، ومنها رواية «المياه الجارفة»، بدأ بكتابتها عام 1957، وأنهاها في سبعينيات القرن الماضي، وتمَّت طباعتها وصدرت باسم «المياه العائمة» عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
بينما أطلق من خلال قصته «عندما يجوع الأطفال» شرارة إنسانية لوجدانه. إنَّها مجرد أنموذج للقصص، تجسّد قدرته على الانفعال الصادق.
فيما كانت قصصه فـي الواقع ليست سوى حادثات تصادم فنية بينه وبين مجتمعه – حسب الدكتور يوسف إدريس- إنَّه الفنان المرهف الحس، المشرع الفهم والوعي والإدراك، وبين الوضع أو التناقض أو نقطة القوة أو الضعف، صدام تنتج عنه الشرارة، شرارة لا تحدث عند صميم انفعالاً وقتياً يتفجر فـي الهواء، ولكنَّها تحدث انفعالاً وطلقة انفجار يختزل إلى حين تتهيأ الفرصة، لتخرج الطاقة على هيئة فن أو قصة ومفهوم وانفعاله الذاتي يتحول عند إخراجه والتعبير عنه إلى فن موضوعي، وفن فـيه ملامح كثيرة من ذاتيته، إنَّ قصته كالابن الحلال، قريبة الشبه منه، تحمل طابعاً شريفـياً.
العدد 1211 – 29 – 10 -2024