سوريا والجامعة العربية.. عودة تدريجية عبر بوابة التدريب العسكري

الثورة- نور جوخدار:

تعكس مشاركة وفد من وزارة الدفاع السورية في فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لهيئات التدريب بالجامعة العربية المنعقدة في القاهرة سعي دمشق لإعادة الانخراط في الفضاء العربي بعد سنوات من العزلة، كما تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والتنسيق بين الهيئات التدريبية في الجيوش العربية بما يتماشى مع الاحتياجات الأمنية والدفاعية الإقليمية، كما تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول دور سوريا في المنظومة العربية، والتحديات التي تواجهها في إعادة تأهيل كوادرها العسكرية بما يتناسب مع متطلبات الأمن الإقليمي.

وركز الوفد السوري برئاسة العميد عبد الرحمن السرحان في مداخلاته على الأساليب الحديثة في التدريب العسكري، وسبل تحسين الأداء العملياتي والتكتيكي في ظل التطورات العسكرية الراهنة، ودور التكنولوجيا في تحسين الأداء العملياتي، والتوجه نحو تطوير برامج تدريب تتوافق مع متطلبات الأمن الإقليمي.

وقال الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة، السفير خليل الذوادي في كلمته الافتتاحية: إن المشاركة في هذه الدورة التي تحمل عنوان “دور الذكاء الاصطناعي في تطوير القدرات المستقبلية للقوات المسلحة وتأثيرها على العمليات والتدريب” دليل على حرص القيادات العسكرية بدولنا العربية على النهوض بمجال التدريب لقواتنا المسلحة العربية ودعم التعاون العربي المشترك، مبيناَ أن الذكاء الاصطناعي يحتل دوراً متزايداً في الآونة الأخيرة في تخطيط ودعم العمليات العسكرية من خلال تطبيقات عديدة في مجالات الأسلحة الحديثة.

وأوضح أن الأهداف الأساسية لدورات رؤساء هيئات التدريب في القوات المسلحة العربية هي “إعداد دراسات استرشادية تساهم في تطوير مهارات أفراد القوات المسلحة ودارسي الكليات العسكرية، إضافة إلى العمل على رفع قدرات القادة المسؤولين عن التدريب للبحث الدائم والمستمر لتطوير الأساليب في المجالات كافة، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على أفراد القوات المسلحة”.

وأكد الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة العربية حرص قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة العربية على تنظيم وعقد التدريب العسكري لتحقيق الأهداف المبتغاة منها لتقريب وجهات النظر وتبادل الخبرات والتنسيق بين القوات المسلحة العربية في مجالات عدة.

منصة مهمة عسكرياً

وفي هذا السياق، أكد المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي أن زيارة الوفد العسكري السوري، برئاسة رئيس إدارة التدريب، للاطلاع على الخبرات العربية المجتمعة في الجامعة العربية تمثل خطوة تبعث على الراحة والفخر بوجود هيئة تدريب وطنية تهتم برفع مستوى تدريب عناصر الجيش الجديد إلى مستويات متقدمة.

وأوضح الزعبي في تصريح خاص لصحيفة “الثورة السورية”، أن هذا الملتقى العسكري العربي يوفر منصة مهمة لتبادل الخبرات وتوحيد أساليب ومناهج التدريب العسكري في الدول العربية، مشيراً إلى إمكانية استفادة سوريا من تجارب الأشقاء لسد أي ثغرات أو تطوير الطرق والأساليب التدريبية بما يرفع من جاهزية الجيش السوري الجديد.

وأضاف أن هذا اللقاء يساهم في بناء سوية الجيش العربي السوري القادم ليكون  قادرا على الدفاع عن الوطن وحدوده، ويحمل روحا وطنية جامعة تنظر إلى جميع أبناء البلاد على مسافة واحدة، مؤكدا أن هذا ما ننشده من الجيش القادم مع أفضل طرق وأساليب التدريب لرفع السوية والوصول به إلى أعلى درجات الجاهزية القتالية العسكرية.

بناء جيش وطني جديد

وبحسب تقرير نشره “المركز العربي” لدراسات سوريا المعاصرة بعنوان “الواقع العسكري في سوريا بعد الأسد: تحديات وإستراتيجيات المستقبل” فإن المرحلة المقبلة لبناء جيش وطني جديد تتطلب رؤية وطنية شاملة تمثل جميع المكونات السورية وتقديم برامج تأهيل لهم، ويتطلب ذلك موارد مالية كبيرة، ودعماً دولياً للتدريب والتأهيل، مع تحديث الأكاديميات العسكرية.

وأشار التقرير إلى ضرورة معالجة انعدام الثقة بين الشعب والمؤسسة العسكرية، ويمكن الاستفادة من تجارب دولية مثل العراق وجنوب أفريقيا، مع التركيز على تفادي الأخطاء السابقة، مضيفاً أن عقيدة الجيش الجديد يجب أن تعكس تحولاً جذرياً بعيداً عن السيطرة الاستبدادية نحو عقيدة تركز على الدفاع الوطني، واحترام الرقابة المدنية، والالتزام بالمبادئ الديمقراطية، كما يجب أن تأخذ هذه العقلية بعين الاعتبار التوازن بين التحديات الأمنية الإقليمية والاستقرار الداخلي.

وبحسب المركز فإن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية، واستثمار الدعم الدولي في إعادة بناء مؤسسات تلتزم بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومع وجود تحديات كبرى فإن النجاح يعتمد على توفر قيادة واعية قادرة على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والعلاقات الدولية، وبين العدالة والمصالحة.

وفقاً لبرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج إلى جانب إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، فإن الخطوات التي تنفذها الحكومة السورية حالياً يمكن اعتبارها مرحلة تمهيدية تهدف إلى الانتقال من النزاع إلى السلام، إذ تتخذ شكل سياسات “الاستيعاب وضبط الأمن وتنظيمه”، عبر إعادة تشكيل المناطق العسكرية.

إعادة اندماج سوريا عربياً

أكد المحلل السياسي عصمت العبسي، أن المشاركة السورية في الدورة التاسعة والعشرين لهيئات التدريب بالجامعة العربية في القاهرة تحمل دلالات سياسية وعسكرية مهمة، أبرزها إعادة تثبيت الحضور السوري في المؤسسات العربية، وإبراز توجه وزارة الدفاع نحو تحديث الجيش وتطوير التعاون العسكري الإقليمي.

وأضاف العبسي في تصريح خاص لصحيفة “الثورة السورية” أن الدلالات الأساسية للمشاركة تتمثل في إعادة الاندماج العربي، ما يعكس عودة سوريا التدريجية إلى الفضاء العربي الرسمي بعد سنوات من العزلة، ويؤكد قبولها كشريك في صياغة السياسات الدفاعية المشتركة، موضحاً أن الدورة تهدف إلى تعزيز التنسيق بين الجيوش العربية وتبادل الخبرات في مجال التدريب، ما يفتح الباب أمام سوريا لتوسيع شبكة علاقاتها العسكرية مع الدول العربية، خاصة في ظل التحديات الأمنية الإقليمية.

وأشار إلى أن المشاركة تحمل بعداً سياسياً بقدر ما هي عسكرية، فهي تعكس رغبة دمشق في إظهار أنها جزء من المنظومة العربية الأمنية، وأنها قادرة على المساهمة في صياغة إستراتيجيات جماعية لمواجهة التهديدات المشتركة.

وبين الباحث أن الدورة ركزت على دور الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي في تطوير القدرات المستقبلية للقوات المسلحة، ما يبرز اهتمام سوريا بمواكبة التطورات التكنولوجية في المجال العسكري.

التعاون العسكري مع تركيا وروسيا

وكانت وزارة الدفاع التركية أعلنت في 30 تشرين الأول/أكتوبر عن بدء تدريب 49 طالبا سوريا من وحدات من الجيش السوري داخل ثكنات عسكرية تركية، وفق اتفاق وقعه البلدان في آب/أغسطس الماضي.

وفي خطوة وصفت بأنها من أبرز مخرجات التقارب الأمني بين أنقرة ودمشق، وبموجب الاتفاق تعهدت أنقرة بتزويد دمشق بمنظومات تسليح وأدوات دعم لوجستي مع تدريب الجيش على استخدامها، فضلا عن التعاون في مجالات أخرى.

ويشمل الاتفاق، إضافة إلى البرنامج التدريبي، تقديم أنظمة تسليحية ومعدات لوجستية إلى الجيش السوري، بالإضافة إلى تدريبات واستشارات فنية عند الطلب، كما تغطي الاتفاقية أيضا برامج تدريب تخصصي في مكافحة الإرهاب، والهندسة العسكرية، والدفاع السيبراني، ودعم اللوجستيات، وإعادة التأهيل العسكري.

وفي 16 تشرين الثاني/نوفمبر، بحث وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، مع وفد عسكري روسي رفيع المستوى برئاسة يونس بك يفكيروف نائب وزير الدفاع الروسي سبل تعزيز التعاون العسكري وآليات التنسيق بين الجانبين، في زيارة وصفت بأنها من أكبر الوفود الروسية التي تصل دمشق منذ سنوات.

وجاء ذلك بعد زيارة قام بها وزير الدفاع مرهف أبو قصرة إلى موسكو نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2025 استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، وبحث خلالها سبل دعم العلاقات الثنائية بين وزارتي الدفاع إلى جانب مناقشة تبادل الخبرات في مجالات التدريب وعدد من المجالات العسكرية الأخرى.

وأوضح الباحث عصمت العبسي أن المشاركة في هذه الدورة تأتي كجزء من المسار الإصلاحي الذي قامت به وزارة الدفاع، إذ أعلنت سابقا عن خطة لإلغاء التجنيد الإجباري والانتقال إلى جيش احترافي يعتمد على الانتماء الطوعي والكفاءات الشابة، مع تحديث برامج التدريب بشكل كامل.

وعن انعكاسات المشاركة إقليميا، أكد العبسي أنه في ظل الصراعات المستمرة بالمنطقة، فإن وجود سوريا في مثل هذه الاجتماعات يعزز موقعها كفاعل أمني إقليمي، ويمنحها فرصة لتبادل الخبرات مع جيوش عربية تواجه تحديات مشابهة.

وفيما يخص البعد، أشار العبسي إلى أن انعقاد الدورة في القاهرة، مقر الجامعة العربية، يضيف بعدا رمزيا لحضور سوريا، إذ يعكس إعادة تثبيت موقعها في قلب العمل العربي المشترك بعد سنوات من التوترات.

البعد السياسي للمشاركة السورية

وحول البعد السياسي للزيارة، أكد الباحث السياسي علي إبراهيم التيناوي أن المشاركة العسكرية تكتسب، في هذا السياق، بعدا سياسيا يتجاوز الطابع العملياتي المباشر، إذ يمكن النظر إليها باعتبارها رسالة موجهة إلى الداخل العربي مفادها أن سوريا تتحرك اليوم ضمن مقاربة أكثر انفتاحا وواقعية تجاه محيطها الإقليمي، مضيفا أن الخطوة لا تأتي بمعزل عن التحولات الجارية في العلاقات العربية-العربية، ولا عن الجهود المبذولة لإعادة إدماج سوريا في منظومة العمل العربي المشترك بعد سنوات من التوترات والاصطفافات.

وأشار الباحث في تصريح خاص لـ”الثورة السورية” إلى أنه يمكن قراءة هذا السلوك السوري في إطار استراتيجية أوسع تسعى فيها دمشق إلى إعادة التموضع ضمن النظام العربي، ليس فقط عبر الحضور الرمزي، بل أيضا عبر المشاركة في ملفات تتعلق بالأمن الجماعي والتعاون الإقليمي. فالمشاركة العسكرية، مهما كان حجمها أو طبيعتها، تشكل إشارة إلى استعداد سوريا للعودة إلى أدوارها التقليدية، ولكن وفق معادلات جديدة تراعي توازنات الواقع العربي الراهن.

وأوضح أن هذه الخطوة تحمل بعدا دبلوماسيا مهما، إذ تساعد على إعادة بناء الثقة المتبادلة مع عدد من العواصم العربية، وتعزز من صورة الدولة كطرف قادر على المساهمة في الاستقرار الإقليمي، وفي الوقت نفسه تعكس رغبة سوريا في توظيف اللحظة السياسية العربية لتحقيق مكاسب تتعلق بإعادة الإعمار وفتح قنوات التعاون الاقتصادي، إلى جانب تثبيت حضورها في أي ترتيبات مستقبلية تخص الأمن الإقليمي.

واختتم الباحث قوله إن المشاركة العسكرية ليست مجرد حدث عابر، بل مؤشر على مرحلة سياسية جديدة تعمل فيها سوريا على إعادة صياغة موقعها، مستفيدة من تبدل موازين القوى الإقليمية وعودة الروح إلى العمل العربي المشترك، في خطوة قد تشكل أحد مفاتيح استعادة دورها ومكانتها في المحيط العربي.

آخر الأخبار
حمص تستعيد هدوءها.. رفع حظر التجوال واستئناف الدوام المدرسي عن المجتمع المدني والمرأة في المرحلة الانتقالية  ضمن نتائج حملة "فداءً لحماة".. المحافظة تطلق مشاريع خدمية لتمكين عودة الأهالي اعتقال 120 متورطاً باعتداءات حمص والداخلية تعلن إنهاء حظر التجول مدير الشؤون الصينية في وزارة الخارجية: إعادة فتح سفارة الصين بدمشق مطلع 2026 من بداية 2026.. سوريا والأردن يتفقان على توسيع التبادل التجاري دون استثناء الجناح السوري يتصدّر "اليوم الثقافي" بجامعة لوسيل ويحصد المركز الأول السيدة الأولى تحضر قمة "وايز 2025" في أول نشاط رسمي لها سوريا والجامعة العربية.. عودة تدريجية عبر بوابة التدريب العسكري دمشق تحتضن ملتقى الموارد البشرية.. مرحلة جديدة في بناء القدرات الإدارية في سوريا  الخارجية تستقبل أرفع وفد سويدي لمناقشة ثلاثة ملفات توغل إسرائيلي جديد في ريف القنيطرة وعمليات تجريف واسعة في بريقة لتعزيز الجودة القضائية.. وزير العدل يشارك بفاعلية في الرياض أردوغان: أنقرة لا تحمل أي نزعة للتوسّع في سوريا جيل بلا آباء.. تداعيات غياب الرجال على البنية الاجتماعية والأسر في سوريا ترخيص أكثر من 2700 منشأة خلال تسعة أشهر بلودان والزبداني تعيدان ابتكار السياحة الشتوية.. الطبيعة أولاً والثلج ليس شرطاً "استثمار تاريخي بقيمة أربعة مليارات دولار".. توقيع العقود النهائية لتحويل مطار دمشق الدولي إلى مركز ... هل ما جرى في زيدل جريمة جنائية بلبوس آخر.. أم أنه مخطط فاشل لإحياء رواسب الماضي؟ وفد اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب يبحث في التجربة الأردنية